[أهمية انشراح الصدر في قيام الأنبياء بالدعوة]
وقد سأل هذه النعمة -وهي انشراح الصدر- نبي الله موسى عليه السلام، وهو نبي من أولي العزم، وورد في فضله آيات كثيرة وأحاديث، منها قول الله عز وجل: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:١٤٤] {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١] ومنها قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] وهو رسول نبي من أولي العزم من الرسل، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (إني أبعث فإذا بموسى آخذ بساق العرش، فما أدري أبُعِثَ قبلي أم أنا قبله) وذلك من فضله، ولكن الصحيح أن أول من يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب اللواء يوم العرض صلى الله عليه وسلم.
وهو صاحب الشفاعة العظمى، حتى أن موسى يوم القيامة يأتي إليه الناس، ويقول لهم: (نفسي نفسي، إن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً).
فيقول: أذنبت ذنباً، ولي سابقة لا أستطيع أن أقابل ربي بها، ولا أستطيع أن أتكلم شافعاً لديه، وكذلك إبراهيم يقول: (لا أستطيع) وعيسى يقول: (لا أستطيع، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم) قال: (فآتي فأسجد تحت العرش، وأثني على الله، فيقال: يا محمد! سل تعطه واشفع تشفع).
موسى عليه السلام كلفه الله تعالى بحمل رسالة عظيمة، وهي دعوة طاغية من طغاة الأرض طغى وبغى وتجبر وادعى أنه الرب الأعلى، وقال لأهل مصر: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:٢٤] فهل هناك أعظم من هذا؟ وبعد ذلك يقول: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:٥١] {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥٢] وهو -والله- المهين.
خرج موسى من مصر هارباً بعد أن قتل نفساً، خرج وفرعون غاضب عليه لفعلته! ثم يقول الله له: اذهب إلى فرعون -فيا لله ما أعظمها من مهمة! اذهب إلى فرعون - هذا الذي يقول بأنه رب، وأَخْبِرْه أنه عبد، وادعه إلى عبودية الله وحده؛ فشقت عليه المهمة، ولكن لا خيار له في أمر الله، فاعتذر وقال: يا رب! أخي أفصح مني لساناً: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:١٣] {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص:٣٤] وبعد أن كلفه الله بالرسالة قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:٢٥] أي: أعطني مؤهلات أستطيع بها أن أمارس هذه المهمة العظيمة، إن أعظم وسيلة تعينك على القيام بمهمة الدعوة أن يشرح الله صدرك للإسلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:٢٥ - ٣٢].
أذلك من أجل أن نبني عمارة أو ننشئ مؤسسة؟ كما يقول الواحد منا: أنت أخي وأنا أخوك، تعال نتعاون على الدنيا، نشتري مزرعة ونجعل فيها (رشاشات مياه)، وعشرين برجاً، ونعمل مؤسسة، ونشاطاً متعدداً، ولوحةً طولها عشرون متراً، من بداية العمارة إلى نهايتها (مؤسسة التجارة والمقاولات والمواد الغذائية والملبوسات والعطر والسباكة) ما ترك للمسلمين شيئاً، أخذ الدنيا كلها في راحة يده، لا يريد أحداً أن يُرزق معه -والعياذ بالله- إذا قيل له: دع الناس يربحون معك، فسيقول: لا؛ أريدها كلها، تدخل دكانه من باب، وتخرج من الباب الثاني، تجد الدنيا كلها في دكانه (سوبر ماركت) سوق مركزي، حتى أغلق أصحاب الدكاكين الصغيرة دكاكينهم، كان الناس يُرزقُ بعضُهُمْ من بعض، دكان بجوار دكان، وألف دكان يستفيد منها ألف بيت، الآن ألف دكان أصبحت في دكان واحد يستفيد منها بيت واحد، يدخل الزبون من باب ويخرج من الثاني، كما يقولون: من الملعقة إلى كل شيء، واللوحة العريضة في الواجهة يريد الدنيا بأجمعها.
لكن موسى يقول: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:٣١ - ٣٢] لماذا؟ {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه:٣٣ - ٣٧] إلى نهاية القصة.
فشرح الله تعالى صدره للقيام بهذه المهمة العظيمة.
وأنت تدرك -يا أخي- مدى وعظم أهمية الرسالة والدعوة، مثلاً يوم تجد نفسك عاجزاً عن هداية أهلك في بيتك، تمارس كل وسائل الدعوة، مع أمك وأبيك، وأختك وأخيك، وابنتك وزوجتك، وشخص يستجيب وعشرة لا يستجيبون، وهذا نبي يقول الله له: اذهب إلى فرعون ويقول: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه:٤٥] فهذا طاغية ملعون، كيف نقول له: أنت عبد وهو يدعي أنه رب؟ كيف يقبل منا الكلام؟ {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:٤٥] فجاءهم الأمان من الله قال: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦].
اذهبا فقط والمظلة الربانية تحميكما، والعناية الإلهية معكما، فلا تخافا: {إِنَّنِي مَعَكُمَا} [طه:٤٦] ومن كان الله معه فلا يخاف.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان