[المحافظة على الوضوء]
من الذين لهم وضع خاص يوم القيامة: أصحاب الوضوء جعلني الله وإياكم منهم.
أهل الوضوء هؤلاء لا أحد يراهم إلا وهم مستعدون للصلاة، هؤلاء استجابوا لله، وأقاموا الصلاة، وأتوا بالوضوء كما أمرهم الله، وكما سن لهم نبيهم صلوات الله وسلامه عليه فهؤلاء يُدْعَون يوم القيامة بآثار وضوئهم غُرَّاً مُحَجَّلين.
الغر: بياض في الناصية؛ أي: في الجبهة.
والحجال: بياض في القوائم.
أهل الإيمان يُعْرَفون يوم القيامة بالوضوء، غُرٌّ يُبَيِّض الله وجوهَهم بآثار الوضوء، ويُبَيِّض الله أقدامَهم وأيديهم بآثار الوضوء، والحديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أمتي يُدْعَون يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء).
يقول ابن حجر في شرح هذا الحديث: غُرَّاً، أي: جمع أغر أو ذو غرة، وأصل الغرة: لُمْعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت للجمال ولطيب الذكر، يقال: يوم أغر، جبين أغر، دهر أغر، أي: ليس مظلماً؛ فكذلك المؤمن يوم القيامة وجهه وجهٌ أغر.
كيف ولماذا غُرَّاً؟ مِن آثار الوضوء.
وأيضاً هذه اللُّمعة في جبين أو في جبهة الفرس أو الحصان نوع من الجمال، عندما ترى حصاناً أدهم أو أبيض، وبجانبه حصان أدهم؛ لكن في جبهته لمعة بيضاء، أما تعطيه جمالاً؟ بلى تعطيه.
وكذلك المؤمن يوم القيامة يُعطى جمالاً.
ومُحَجَّلين: أيضاً من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والتحجيل للمؤمن حليةٌ وجمالٌ له وزينةٌ يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن مبلغ الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) وقد قيل: إنه من إدراج الراوي، وقيل: من الحديث، أي: يبالغ في إطالة الغرة؛ فإنه يأتي معروفاً بها يوم القيامة، وبهذه الغرة والحلية والجمال النوراني يتميز أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أهل سنته يوم القيامة، وبها يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من بين سائر الخلائق؛ لأن أمة الرسول ليست الأمة الوحيدة التي تبعث يوم القيامة، الأمم منذ آدم إلى يوم القيامة يبعثون كلهم، وتأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بآثار الوضوء وبالغرة في جبينهم، وبالتحجيل في قوائمهم، يقول عليه الصلاة والسلام، وقد مر يوماً على مقبرة -والحديث في صحيح مسلم - قال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنَّا قد رأينا إخواننا فقال الصحابة: أوَلَسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني، قالوا: كيف تعرف يا رسول الله من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرٌّ مُحَجَّلة بين ظَهْرَي خيول دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِف خيله؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء، وأنا فَرَطُهُم على الحوض) وفرطهم أي: السابق لهم، والفَرَط هو الذي يسبقك، يقول: أنا فَرَطُهُم أي: أنا أسْبقهم، وأتقدمهم، وأرحب بهم على الحوض يوم القيامة.
ويروي أحمد في المسند بسند صحيح، عن أبي الدرداء قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له برفع رأسه يوم القيامة، فأنظُرُ إلى ما بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، قال رجل: يا رسول الله! كيف تعرفهم من الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال: هُم غُرٌّ مُحَجَّلون من آثار الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، أعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم حين تسعى بين أيديهم ذراريهم) نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يُؤَمَّن من الفزع الأكبر يوم القيامة، وممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.