لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين، فلا يستطيع أحد أن يفلت من هذا اليوم، يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٣ - ١٨] لا يغيب أحد بين يدي الله، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة وكلهم يحضرون؛ ولذا سمي هذا اليوم يوم الجمع، يقول عز وجل:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧] ويقول الله عز وجل: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود:١٠٣ - ١٠٨] نسأل الله من فضله.
وسميت القيامة بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع الخلائق من الأولين والآخرين، وحقيقةً أن يوماً يجتمع فيه الناس كلهم يوم رهيب جداً جداً، الآن إذا اجتمع الناس في يوم عرفة كم يجتمع في عرفة؟ في الغالب أعلى مستويات الحج مليونين أو ثلاثة ملايين، ولو اجتمع أهل السعودية كلهم في يوم عرفة عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً، كيف يكون الوضع في عرفة؟ كيف يكون الزحام؟ تكون الحركة صعبة جداً، ولو اجتمع أهل قارة آسيا كلهم! لو اجتمع المسلمون كلهم -ألف مليون مسلم- في عرفة كيف يصير؟ وإذا اجتمع أربعة آلاف مليون، يعني: كل إنسان على وجه الأرض اليوم، لو اجتمعوا كلهم الآن في مكان واحد كيف يكون الوضع؟ هؤلاء الآن أربعة آلاف مليون وبعد مائة سنة لن تجد منهم أحد إلا النادر كما ورد في الحديث وهو صحيح:(أنه على رأس المائة لا يكون على وجه الأرض أحد ممن كانوا عليها).
يجدد الله الأرض كلها، ويبدل وجه الناس كلهم وكل مائة سنة يأتي بمجموعة جديدة، الذي يولد اليوم بعد مائة سنة لن تلقاه، فيموت في السبعين، أو الثمانين، أو التسعين، أو المائة وهذا نادر وقليل، والنادر لا حكم له، والقاعدة أن الناس كلهم يموتون دون ذلك السن، فإذا كان في كل مائة سنة أربعة آلاف مليون فمنذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا كم عاش؟ وكم مات؟ ومن الآن إلى يوم القيامة كم سيأتي؟ لا يعلمهم إلا الله، هؤلاء كلهم موجودون، وأنت منهم في ذلك اليوم، وأنا واحد منهم، في ذلك اليوم يكون كل منا عارياً حافياً جائعاً، في وضعٍ لا يعلمه إلا الله، والناس وقوف كلهم في ذلك الموقف {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}[القمر:٨] ولا يوجد إلا مظلة الرحمن، الشمس تغلي منها أدمغة العباد، ولا يوجد إلا مظلة واحدة اسمها مظلة الرحمن، فيها سبعة أصناف من الأمة تعرفونهم في الحديث، منهم:(شاب نشأ في عبادة الله) أسأل الله أن يجعل شباب المسلمين منهم؛ لأن هذه الصحوة التي نراها ونلمسها في الشباب تبشر بخير، ولكن نرجو الله أن يثبتهم على الإيمان، ويلهمهم الرشد في طريق صحوتهم؛ فإن هذه الصحوة ينبغي أن تسير راشدة على كتاب الله وسنة رسول الله، من غير شطط أو جنوح أو غلو؛ لأن الغلو خطر على الدعوات، ويجب أن يسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تأخذ الدين من منبعه الأصلي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذت وتمسكت بالهدي النبوي نجوت وكنت من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وذلك اليوم العظيم -الذي هو يوم الجمع- يخففه الله على أهل الإيمان، فلا يشعرون بطوله، ولا يشعرون فيه بحزن ولا بخوف، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:٣٠ - ٣٢].