لما يئسوا من مالك وخزنة النار توجهوا بالدعاء إلى الله يطلبون من الله الرحمة وقد ذكر الله القصة في سورة المؤمنون، قال عز وجل:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}[المؤمنون:١٠٣] ما خسروا بيوتهم ولا خسروا أولادهم {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}[المؤمنون:١٠٣ - ١٠٤](الكلوح) هو تقلص الشفة العليا إلى الرأس، ونزول الشفة السفلى إلى السرة، مثل الذبيحة: إذا أخذت رأس الذبيحة وشويته في النار، ماذا يحصل عندها؟ تتقلص الشفة العليا إلى الرأس وتنزل الشفة السفلى إلى تحت وتبدو أسنان الذبيحة، قال الله تعالى:{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ}[المؤمنون:١٠٤] أي تقفز النار على وجوههم؛ لأن أعز شيء عند الإنسان وجهه! فلو تأتيك الضربة في ظهرك، أو رجلك أو يدك أهون من أن تأتيك في وجهك، ولهذا إذا جاءك شيء تنكره تتقيه بوجهك لا.
لكن النار تقفز في الوجه:{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا}[المؤمنون:١٠٤ - ١٠٦] لكنهم ما عرفوا ربهم إلا في النار، ولا تنفع هذه المعرفة في ذلك اليوم، فلو عرفوا ربهم في الدنيا لكان أهون، فلو قالوا: ربنا في الدنيا لقال الله لهم: لبيكم، ولاستجاب الله لهم ولهداهم، ولكن ربهم في الدنيا هو الهوى، والشهوات، والشيطان، واللهو واللعب! ولكنهم في النار لما ذاقوا العذاب ومسيس النار قالوا:{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:١٠٦ - ١٠٧] يقولون: أرجعنا يا رب لنعمل صالحاً حسناً لماذا لا يكون من الآن؟ والذي يؤخر التوبة ويسوف فيها نقول له: هل تريد أن تعيش على المعاصي حتى تدخل النار وتقول هذه الكلمة؟! هل هذا منطق العقلاء؟! لا والله.
ليس منطق العقلاء، فمنطق العقلاء: أنك من الآن -قبل غدٍ- تتوب وترجع وتصحح الوضع مع الله، وتصحح المسار إلى الله، وتنتقل بكامل حياتك إلى الله، وتكون جندياً من جنود الله، وعابداً، وذاكراً لله، وخائفاً من الله، وملتزماً بشرعه، حينها تنجو من عذابه، ولكن عندما تفرط وتهمل ثم يكون المصير ذلك، ثم تقول: ربنا أخرجنا منها لنعمل صالحاً فإن ذلك لا ينفع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فوالذي نفسي بيده! ما ينطق أحدهم ببنت شفة، وما هو إلا الشهيق والزفير) من قبل كانوا يتكلمون مع الخزنة، ومع مالك، ومع الله، لكن إذا قال لهم الله تعالى:{اخْسَأُوا فِيهَا}[المؤمنون:١٠٨] أي: في النار {وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:١٠٨] فلا يوجد لهم أمل! فهذه النار أعاذنا الله وإياكم منها، وأجارنا الله وإياكم منها.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.