الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
وبعد: أيها الأحبة في الله: فإن حاجة القلوب إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث والمطر، فكما أن المطر والغيث هو حياة الأرض فكذلك العلم والدين والإيمان هو حياة القلوب، وحينما يحبس المطر عن الأرض ينعدم خيرها، ويسوء منظرها، وتستحيل الحياة فيها، قال الله:{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج:٥] وكذلك القلوب إذا انحبس عنها الذكر والعلم، والإيمان والقرآن انعدمت فيها الحياة وتحجرت، وانقطع عنها الخير وكثر فيها الشر، فإذا جاء القرآن وجاء الإيمان اهتزت وربت وآتت أكلها بإذن ربها، وظهر الخير في سلوك الإنسان وفي تعامله وعقيدته بناءً على سماع العلم والقرآن، ولذا كانت وظيفة الرسل والأنبياء التذكير بهذا الكلام، وقد حدد الله للنبي صلى الله عليه وسلم مسئوليته بقوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}[الغاشية:٢١] إنما: أداة حصر، حصر للمسئولية التي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لها، وهي تذكير الأمة:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}[الغاشية:٢١] ويقول له: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ}[الذاريات:٥٥] لا تنفع الناس كلهم، بل تنفع شريحة واحدة من المجتمع وفئة واحدة من الناس -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- وهم أهل الإيمان:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥] والله يحدد صفات أهل الإيمان في أول سورة الأنفال فيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}[الأنفال:٢ - ٤] هذه شهادة من الله: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:٤].