[الإيمان زاد الرحيل إلى الآخرة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الأحبة في الله: أعظم ما يملكه الإنسان ويحرص على تحصيله في هذه الحياة هو الإيمان الإيمان الذي تتحقق به للإنسان سعادة الدارين، والفوز والفلاح في الحياتين، فلا سعادة في الدنيا إلا بالإيمان، ولا فلاح من العذاب في الآخرة إلا بالإيمان؛ بالإيمان تعرف حقيقة الخلق وحكمة الوجود، وتشعر بلذة وطعم الحياة، وتتصل بخالق الأرض والسماء، ويستقيم سيرك على درب الحياة، وتعرف كيف تتعامل مع الكون والحياة من حولك.
وحينما تغادر الحياة في الرحلة الإلزامية، والسفر الإجباري الذي كتبه الله تعالى على كل مخلوق -لا بد من الرحيل إلى دار القبور، لا أحد يستطيع أن يمنع نفسه من الموت- حينما تلزم بالارتحال، وتخرج من الدنيا رغم أنفك.
لهوت وغرتك الأماني وحينما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر
والآخر يقول:
ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب
حفر مسقفة عليهن الجنادل والكثيب
فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب
كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب
في تلك الرحلة لا تنتفع بشيء: لا مال، ولا ولد، ولا جاه، ولا منصب، ولا رتبة، ولا مرتبة، ولا ينفعك في تلك اللحظات الحرجة وفي تلك الأيام الصعبة إلا الإيمان، في بيت الوحشة والظلمة والدود، لا ينفع هناك أحد.
يا من بدنياه اشتغل وغرَّه طول الأمل
وقد مضى في غفلة حتى دنا منه الأجل
الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل
لا ينفعك في القبر وعرصات القيامة إلا الإيمان: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢] لا ينجو من تلك الأهوال إلا أهل الإيمان.
يوم تزفر جهنم، وتتزين الجنة: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:٣١ - ٣٤].
هنا الفخر والمجد والشرف والعزة، هنا الفوز والفلاح أيها الإخوة! لكن لمن؟ لمن آمن وعمل صالحاً، ولكن: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].