[مفسدات الصوم]
أما المفسدات للصوم فهي كثيرة، وأعظمها الجماع في نهار رمضان، والدليل فيه: حديث سليك الغطفاني الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على كلمة هلكت، فإنها هلكة حقيقة ولا ينبغي للمسلم أن يمارسها، ولكن هذا الرجل كان مبتلى (عنده شبق جنسي) وما كان يصبر عن امرأته إذا رآها، فوقع عليها، وجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم.
(قال له: أعتق رقبة، قال: لا أجدها يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل أتيت إلا من الصوم -يقول: ما ذبحني إلا الصوم تريدني أصوم شهرين، ما قدرت أصوم شهر واحد- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أطعم ستين مسكيناً قال: ليس في المدينة أفقر مني ولا عندي شيء، فبينما الرسول جالس والصحابي جالس إذ جاء رجل بعرق -مكتل- فيه تمر، قال: خذ هذا المكتل وقسمه على ستين مسكيناً، قال: والله ما بين لابتيها أفقر مني يا رسول الله! قال: خذه وأطعمه أهلك، فخرج الرجل يضحك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك) صلوات الله وسلامه عليه، ما أعظمه من مربٍ! وما أعظمه من إنسان! {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] هذا جاء بهذه المشكلة وخرج ومعه مكتل تمر فربح الخطين، لكن لا يعملها شخص منكم ويقول: لا.
أنا سوف أربح الخطين، وإنما ينبغي لك أن تدع الجماع ودواعيه، وكل ما يوصل إليه؛ لأن ما كان حراماً فما يوصل إليه حرام، لا تقرب من المرأة ولا تقبلها، ولا تضاجعها، وإنما تنام في فراش وهي في فراش إذا كنت تخاف على نفسك، أما إذا كان الرجل كبيراً وشيخاً هرماً ولا يحصل منه شيء من الانتشار أو من الرغبة، فإنه لو قبل زوجته فلا حرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو صائم كما جاء في الحديث الصحيح قالت: (كان يقبلني وهو صائم، لكنها قالت: وكان أملككم لإربه) ما كان شهوانياً صلوات الله وسلامه عليه.
إنزال المني يفسد الصيام بشرط: أن يكون عمداً باستمناءٍ، أو مباشرة، أو تقبيلٍ، أو نظرٍ، أو ينظر في النساء حتى يمني فهذا أفسد صومه.
الأكل والشرب سواءً كان نافعاً أو ضاراً، ويدخل فيه اللبان، ويدخل فيه الدخان، ويدخل فيه معجون الأسنان؛ لأنه في حكم الأكل والشرب.
حقن الإبر الغذائية لا الدوائية، الإبر تنقسم إلى قسمين: إبر غذاء، وإبر دواء، فالإبر الغذائية التي يستعاض بها عن الغذاء وهي الجلوكوز أو غيره هذه تفطر؛ لأنها في حكم الغذاء، أما الإبر الدوائية التي تعطى كدواء ولا لها علاقة بالغذاء فهذه لا تفطر ولو أخذها الإنسان وهو صائم فلا شيء عليه إن شاء الله، ولكن الأولى له خروجاً من الخلاف والأحوط أن يتناولها في الليل؛ لأنه لا يوجد أحد يأخذ إبرتين في النهار والليل، إنما بإمكانه أن يأخذ يومياً إبرة يأخذها في الليل، لكن لو كانت الجرعة عنده إبرة صباحاً وإبرة مساءً، يأخذ إبرة في الصباح إذا كانت علاجية ولا شيء عليه ويأخذ إبرة في الليل إن شاء الله وهو مفطر.
كذلك من المفطرات: حقن الدم، مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن له دم، يحصل له حادث ويأتون يعطونه قربة دم أو نصف قربة لأن هذا غذاء، بل هو لب الغذاء؛ لأن الغذاء كله يتحول إلى الدم فيفطر الصائم بذلك.
خروج دم الحيض والنفاس أيضاً تفطر به المرأة، أما دم الاستحاضة، أو دم العرق، أو دم العلة، أو دم النزيف، فهذا لا تترك بسببه الصلاة ولا الصيام، -مثلاً- امرأة حامل في الشهر الخامس وخرج منها قطرات دم نزيف، وهذا ربما يخرج من الحامل فلا هو حيض ولا هو نفاس، عليها أنها تصوم وتصلي وتعتبره في حكم البول تغسله من الثوب وتتوضأ منه ولا شيء عليها، هذا دم الاستحاضة والنزيف والعلة والعرق، أما دم النفاس الذي يخرج عقب النفاس أو دم العادة الشهرية الذي يخرج في زمنها، وهذا معروف عند النساء فإنها تدع الصوم وتدع الصلاة ولكنها تقضي الصوم بعد رمضان ولا تقضي الصلاة.
خروج الدم من الإنسان إما بالحجامة، أو بالسحب (سحب الدم) للإسعاف، أما سحب الدم اليسير للتحليل قال العلماء: لا يؤثر؛ لأنه بسيط، والرعاف بسيط لا يؤثر، ونزع الضرس وخروج دم بعده لا يؤثر، وخروج الجرح البسيط الذي يخرج من دمك وسيل الدم منه بسيط لا يؤثر، لكن ما يحصل بسحب الدم فإنه يؤثر على الإنسان، وبالتالي حكمه حكم المريض يلزمه أن يفطر ويلزمه شيء من المشروبات ليعوض هذا الدم الذي سحب منه.
أما موضوع الحجامة فهو موضوع مختلف فيه بين أهل العلم: طائفة من أهل العلم يرون أنها لا تفطر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه احتجم وهو صائم) وحديث آخر يعارضه ومن أراد أن يرجع إليهما فليرجع إلى سبل السلام للشيخ/ الصنعاني، أنه صلى الله عليه وسلم مر على رجلٍ يحتجم فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم).
ولكن يرجح أئمتنا ومشائخنا منهم الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين أنها تفطر، فإذا احتجم الإنسان فإنه يخرج منه دم كثير، وهذا الدم يتعبه وبالتالي ينبغي له أن يأكل شيئاً.
مما يفطر وينقض الصوم القيء، إذا تعمد الإنسان في إخراجه، أما إذا غلبه وذرعه من غير قصدٍ ولا عمدٍ منه فلا شيء عليه.
هذا ما يتعلق بالمفطرات.