حسناً ما هو هذا الصور الذي ينفخ فيه؟ الصور في لغة العرب: القرن، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ففسره بما يعرف العرب من كلامهم، وفي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة ومسند أحمد ومستدرك الحاكم، وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي سأله:(ما الصور؟ قال: الصور قرن ينفخ فيه، وهو حاوٍ لجميع أرواح العباد) هذا الصور ما من روح تخرج من جسد إلا وتذهب إلى هذا الصور، لها محل تستقر فيه إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي ينفخ فيه النفخة الثانية، أما النفخة الأولى فهي نفخة الصعق، والناس لا يخرجون مع النفخة الأولى، إنما يخرجون مع النفخة الثانية، قال تعالى:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨].
والنافخ في الصور المشهور عند أهل العلم أنه ملك من الملائكة العظام وهو إسرافيل عليه السلام، وقد وقع التصريح باسمه في أحاديث، منها: حديث أبي هريرة في حديث الصور الطويل الذي صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وإسرافيل ملك عظيم، والملائكة كلهم ضخام غلاظ، يعني: لهم خلقة تختلف عن خلقة البشر، وما البشر بالنسبة لهم إلا كالذر بل أصغر من الذر؛ إذا كان الواحد من حملة العرش يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم والحديث ذكره الإمام السيوطي في صحيح الجامع، يقول:(أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) وفي بعض روايات الحديث: (خفق الطير) أي: سرعة الطير، هذه رقبته التي هي عندنا تساوي (٥سم) أو أربع أصابع رقبتي ورقبتك! أما الملك فطول رقبته مسيرة سبعمائة عام، وفي الأحاديث الصحيحة حينما وصف النبي صلى الله عليه وسلم جبريل شديد القوى؛ أخبر أن له ستمائة جناح، وأنه فرد اثنين منهما حين جاء بالوحي فسدَّ ما بين الخافقين، أي: ما بين المشرق والمغرب انحجب باثنين من الأجنحة، وبقي خمسمائة وثمانية وتسعون جناحاً، وأن جبريل حينما أرسله الله لتعذيب وتدمير قرى قوم لوط غرس جناحه فدخل في الأرض إلى أن استقر في الأرض السابعة، ثم حملها بقراهم ومدنهم وبكل ما معهم حتى الكلاب والقطط، إلى أن بلغ بهم عنان السماء على جناحه ثم قلبها عليهم! قال الله تعالى:{مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ}[التحريم:٦] وورد في بعض الآثار صفة إسرافيل هذا: (أن رجليه تحت تخوم الأرض السابعة، وركبتيه في السماء السابعة، والعرش على كاهله، ورقبته ملوية تحت العرش، وقد قدم رجلاً وأخر أخرى، وعين في الرحمن وعين في الصور ينتظر الأمر من الله عز وجل بالنفخ في الصور) حتى ورد في بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه ليلة الإسراء والمعراج قال: (إني ظننت من تأهبه أني ما أبلغ الأرض حتى تقوم الساعة) وذلك لاستعداده، وقال في حديث آخر:(كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إسرافيل مستعد دائماً للنفخ فيه منذ أن خلقه الله عز وجل، ففي مستدرك الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن طرف صاحب الصور منذ خلق مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان) العين مثل الكوكب الدري، وهو النجم الكبير! إذاً كيف الرأس؟ وكيف الجسم؟! مهما تتصور فلن تقدر على تصوره، ويقول عليه الصلاة والسلام:(إنه منذ خلقه الله ووكل بالنفخ في الصور وعينه في الله عز وجل؛ يخشى أن تغيب عينه طرفة واحدة فيؤمر بالنفخ) ولذا فهو مستعد دائماً، والحديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وهذا الكلام يقوله النبي صلى الله عليه وسلم قبل (١٤٠٠) سنة، وأما في زماننا هذا وبعد هذه السنين الطويلة الذي اقتربت فيه الساعة وحدثت فيه أشراطها وعلاماتها فقد أصبح إسرافيل أكثر استعداداً وتهيؤاً للنفخ في الصور، فقد روى ابن المبارك، والترمذي، وأبو نعيم في الحلية، وابن حبان في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم -أي: كيف أستريح وأستقر- وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ! فقال الصحابة لما سمعوا الخبر: كيف نقول يا رسول الله؟) أي: إذا نفخ في الصور ونحن موجودون معك كيف نقول؟ لأنهم تصوروا أنه من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن ينفخ تلك الليلة أو غداً أو بعده -يعني: قريباً- قالوا:(كيف نقول يا رسول الله! قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله).