للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يمتنع من الهداية بحجة أن الله قد كتبه من الأشقياء]

السؤال

فضيلة الشيخ! إذا دعوت بعض الناس إلى الله تعالى يحتج عليَّ ويقول: لو أن الله هداني لكنت مثلك، فكيف أرد عليه؟

الجواب

ترد عليه بما رد الله عز وجل على من قال هذه الكلمة: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:٥٧] هذه علة المنهزمين، وحجة الشياطين، يقول الله عز وجل: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} [الزمر:٥٤ - ٥٦] يعني: لئلا تقول نفس {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:٥٦ - ٥٧] فهذه الكلمة نفسها جاءت في القرآن الكريم: {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:٥٧ - ٥٨] قال الله عز وجل: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} [الزمر:٥٩] أي: قد هديتك، فبعض الناس يقول: لو أن الله هداني، فالله قد هداك.

ولكن ما معنى الهداية؟ الهداية هي الهداية الشرعية أي: الدلالة، فالله دلك ففطرك على الإسلام، ودلك فأنزل لك كتاباً وأرسل لك رسولاً، ودلك فبين لك الخير وأمرك به، وبين لك الشر وحذرك منه، فماذا تريد بعد ذلك؟ هل تريد أن يُنزِل لك الله ملكاً من الملائكة يأخذ بأذنك فيقول صلِّ إذا جاءت الصلاة.

إذاً ليس هناك فائدة إذا اهتديت؛ لأنك إنما اهتديت بالقوة.

فالهداية هي: الدلالة، والله تعالى يقول: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:٥٧] قال الله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} [الزمر:٥٩] أي: بلغتك دلالاتي {فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:٥٩].

فليس لأحد حجة الآن؟ ما يدريك أن الله لم يهدك؟ هل اطلعت على الغيب؟ بعض الناس عندما تنصحه يقول لك: لا يا شيخ! يمكن أن الله كتبني شقياً.

حسناً، لماذا لا تَحتمل أن الله كتبك سعيداً مادامت كلمة شقي وسعيد في علم الغيب؟ لماذا احتملت الخيار الأسوأ انهزاماً أمام شهواتك؟ إن قضية شقي وسعيد ليست من خصوصياتك، أنت عبد مأمور، عملك أن تطيع الله ولا تعصه، وأن تثق أن الله لا يظلمك أبداً {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:٤٠].

أما أن تتدخل في قضاء الله وقدره وتقول: لعل الله كتبني شقياً، ولهذا أنا سوف أصبح شقياً، فهذا من الانهزامية والتبعية للشيطان والنفس والشهوات.