[الغلظة والفظاظة والعنف]
أولاً: الغلظة والفظاظة والعنف: دائماً تجد سيئ الخلق غليظاً دائماً, وفظاً دائماً, وعنيفاً دائماً مع نفسه ومع زوجته وأولاده، ومع جيرانه وزملائه في العمل، ومع مرءوسيه ورؤسائه, غليظ مثل الحجر, لا تعرف الابتسامة إلى وجهه طريقاً, ولا تعرف الكلمة الطيبة إلى لسانه مسلكاً, وإنما ناشف! وهذا ليس من حسن الخلق, كان النبي صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً صلى الله عليه وسلم, والمؤمن هين لين, يلين مع إخوانه يبتسم لإخوانه, إذا دخل إلى بيته رأيت علامات الخلق وهو من عند الباب, حتى من طرْق الباب, ثم يبدأ بيته بالسلام, يدخل على زوجته ويسلم، بعضهم لا يسلم على امرأته, بل من وقت أن يدخل وعينه مفتوحة على الأخطاء، فإن رأى خطأ يخرج ما في نفسه المملوءة بالحقد على هذه المسكينة, وهي تنتظره، مسكينة! من تتوقع أن يدخل على زوجتك غيرك؟! طوال اليوم ترقبك من أجل أن تدخل وأنت تفاجئها بهذا الخلق وبوضع النظر وتسليطه على السلبيات والأخطاء! وهل هناك بيت يسلم من الأخطاء والسلبيات؟ لكن سيئ الخلق كالذباب لا يقع إلا على القذر, يرى الأشياء الحسنة فلا يشكر, لكن يرى سيئة واحدة فيندب، لماذا؟ لأنها توافق الرغبة وتوافق التركيبة التي في داخله, تركيبته النفسية فض غليظ عنيف شديد, لا يريد أن يكون ذا خلق طيب, فإذا رأى أي شيء استثار هذا وأخرج من بضاعته التي امتلأ بها جوفه وبدأ يكيل السباب والشتائم والعنف وربما الضرب! لماذا لا تطفئون الكهرباء؟ لماذا الصنبور يصب منه الماء؟ لماذا الباب مغلق؟ لماذا تأخر الغداء؟!! ما كنستم البيت!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, حسناً ادخل وقل: السلام عليكم الله يمسيكم بالخير كيف حالكم وكيف يومكم، عساكم طيبين؟ وبعد ذلك إذا كان هناك أخطاء عالجها بلطف وحكمة, ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه, تتحطم الأسر وتتفرق, ويتشتت شملها بأسباب سوء الخلق, دخل رجل -وقد جاءني في أبها يستفتي- دخل على زوجته وقد تأخر وكان معزوماً على الغداء وما أعلمها, وذهب وتغدى هو وزملاؤه في المنتزه, وهي مسكينة جلست تنتظر إلى الساعة الثانية والنصف, أولادها يريدون الغداء قالت: لا.
والله لا تذوقونه حتى يأتي أبوكم, تحسب أن أباهم قلبه معهم, أبوهم على لذاته وشهواته وما كأن هذه بشر ولا كأن عندها أولاد, وأصبحت الساعة الثالثة وما قد جاء! فبدأت الهواجس في نفسها: ما الذي أخره؟ لا إله إلا الله! يمكن حدث له حادث, يمكن مات في الطريق, وهو يأكل في المنتزه! فنام الأولاد فلما رأت أن الشمس غربت اتصلت بأهله، وكادت تتصل بالجهات المرورية والأمنية لتسأل عنه, ولم تذق الغداء -مسكينة- وأولادها أعطتهم من الغداء في غير وقته, وبعد صلاة المغرب جاء أخونا, ووقت ما دخل -طبعاً هي غضبانة- عليها وسلّم, وردت السلام بصوت فيه نوع من التأثر؛ لأنها بشر, ولما دخل وقعد في الغرفة رأى عود كبريت مكسوراً قال: لماذا ما كنستم المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك! ما عينك إلا على نظافة المجلس! وأنت مضيع لنا من الصباح ما جئتنا ولا أخبرتنا, قال: ما دخلك! أنا تحت أمرك؟! قالت: ما في مانع لكن أخبرنا, قال: لماذا؟ هل أنا عسكري عندك؟ أنا موظف حتى أستأذن؟ قالت: عجيب! وما أنا بإنسانة في بيتك, المهم كلمة منها وكلمة منه حتى تطور الأمر وأخيراً قام وضربها على وجهها, وما إن ضربها حتى قامت دافعت عن نفسها وضربته على وجهه-واحدة بواحدة والقلوب نظاف- وما إن ضربته على وجهه لم يصبح عنده إلا استعمال السلاح المدمر، السلاح النووي لدى الرجل وهو الطلاق, وقال: أنت طالق بالثلاث, فإذا الأولاد يصيحون والبنات ينحن, والمرأة رجعت غرفتها وأخذت تأخذ ثيابها وأغراضها تريد أن تمشي, وهو يرى نفسه أنه خاسر امرأته وأولاده, فما السبب؟ سوء تصرفه وخلقه السيئ! فسوء الخلق -أيها الإخوة! - يبدأ مع زوجتك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حصل في يوم من الأيام في بيته خلاف عائلي بينه وبين عائشة كما يحدث بين الرجل وامرأته ولكن خلاف بسيط, فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والدها أبا بكر من أجل أن يحل المشكلة البسيطة, فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وأراد الرسول أن يتكلم -يعرض القضية- قامت عائشة بسرعة النساء وقالت: (أحلف عليك يا رسول الله ألا تقول إلا الحق, وأبو بكر بجانبها فلطمها وقال: أو يقول رسول الله غير الحق يا عدوة نفسها؟! -تحلفين عليه أنه لا يقول إلا الحق وهو لا يقول إلا الحق؟ هل يكذب صلى الله عليه وسلم؟ - ولما لطمها قامت وذهبت وراء ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم, تحتمي به من أبيها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفه وقال: ما دعوناك لهذا يا أبا بكر! -دعوناك تصلح لا تضارب- فقالت: لا تخبره يا رسول الله بالأمر).
فالشاهد أيها الإخوة! أن سوء الخلق من مظاهره الغلظة، لا تكن غليظاً، بعض الناس حتى مع أولاده لم يسلم على ولده من يوم خلق! الأقرع بن حابس رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن , قال: (أوتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم.
قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً, فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يَرحَم لا يُرحَم) , كان يقبل أبناءه صلى الله عليه وسلم, وكان يأخذهم في حجره, بل كان وهو يصلي يمتطي الحسن ظهره وهو ساجد, فلا يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره حتى ينزل, ولما سلم استغرب الصحابة طول السجود, فقال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب علي- فكرهت أن أزعجه حتى نزل) , اللهم صل وسلم على رسول الله، إذا أتى الآن شخص يصلي وجاء الطفل من أمامه لطمه, لماذا تأتي من أمامي؟ فيقول الولد: لماذا لطمني؟ من أجل أنه يصلي، إذاً الصلاة هذه ليست طيبة!!! فتنشأ في نفس الولد عقدة ضد الصلاة التي لطم من أجلها، بل قطع صلى الله عليه وسلم الخطبة عندما رأى الحسن يدخل من باب المسجد وكان ثوبه طويلاً فجعل يتعثر, فقطع الخطبة ونزل وأخذه, ورجع إلى المنبر وأكمل الخطبة, هذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم! فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فانزع هذا الخلق كلياً.
لا تكن غليظاً, ولا تكن شديداً, ولا تكن عنيفاً, وإنما كن هيناً ليناً بسيطاً طيباً مع زوجتك وأولادك، ومع جيرانك ومع زملائك في العمل، ومع رؤسائك ومرءوسيك ومع الدنيا كلها, لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جعظري مستكبر)، هذا الغليظ العنيف، تراه دائماً مكشر الوجه, مقطب الجبين, دائماً غاضب حتى على نفسه والعياذ بالله, هذا مظهر وصورة من صور سوء الخلق.
قس نفسك واعرف نفسك، لا أحد يعرفك, إذا دخلت البيت ففرح بك أهلك فأنت ذو خلق حسن, وإن دخلت البيت قالوا: جاء العفريت! فأنت ذو خلق سيء، بعض الناس إذا دخل بيته استيقظ النائم, وقعد القائم, وقام القاعد وحصلت طوارئ! وبعضهم إذا دخل بيته ينهال عليه أفراد أسرته, هذا يتعلق في رقبته وهذا يسلم عليه, والمرأة تستقبله، لماذا؟ لأنه جاء روحهم, وجاء حياتهم, وجاء نورهم, جاء الذي ينتظرونه, رب الأسرة، هذا الذي يجدون عنده الحنان, ويجدون عنده العطف, ويجدون عنده الشفقة، يمسك هذا على يده ويسلم عليه, ويأخذ الصغير يلاعبه, والكبير يلاطفه, والبنت يسألها: كيف الدروس؟ كيف أنت اليوم؟ طيبة جيدة ما شاء الله، هكذا الأخلاق, هذا من حسن الخلق.