إن الإيمان يقدم لك -أيها الإنسان- التفسير الحقيقي لهذه الحياة، هذه الحياة -أيها الإخوة- لغز محير حارت في فهمه العقول، وعجزت كل النظريات والفلسفات أن تعرفه، وعاش الإنسان في عذاب وشقاء، وهو لا يدري من أين جاء؟ ولا يدري لماذا جاء؟ ولا يدري إلى أين بعد أن يموت؟ حتى قال شاعر الكفار:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف سرت؟
كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا؟ لست أدري لست أدري!!
تصوروا شخصاً يقطع رحلة العمر كلها وهو لا يدري لماذا يعيش! أنت الآن لو كنت مسئولاً في الأمن أو في المرور ورأيت سيارة على طريق الدمام، وأوقفت السائق وقلت له: من أين أتيت؟ قال: لا أدري، قلت: أين أنت ذاهب؟ قال: والله لا أدري، لماذا تمشي؟ قال: والله يا أخي لا أدري، ما هو رأيك هل تسمح له بالمشي؟ لا.
وإنما تقول له: توقف، فإن هذا أحد رجلين: إما مجنون، أو سكران، وهل يسمح للمجنون والسكران أن يسير في الطريق العام؟ لا، لماذا؟ لأنه سيسبب كارثة للناس، هذه رحلة ثلاث ساعات إلى الدمام، يمنع أن يمشي الشخص فيها وهو لا يدري أين يمشي، فقولوا لي بربكم: من يقطع رحلة العمر ستين سنة أو سبعين سنة وهو لا يدري لماذا يعيش! ولا يعرف من الدنيا إلا كما يعرف الحمار! لو سألنا الحمار وحققنا معه وقلنا: يا حمار! لماذا تعيش هنا؟ لقال: لآكل وأشرب وأرقد، وإذا رأى الأنثى رفع أذنيه وأسرع نحوها، هذه حياة البهائم، بعض البشر الآن يعيش بعقلية الحمار، يأكل ويشرب وينام وإذا رأى الأنثى أسرع، ما رأيكم هل هذا إنسان؟! ما الفرق بين الاثنين؟ ليس هناك فرق، ولهذا الله يقول:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان:٤٤] ليته كالأنعام بل هو أضل من الأنعام، هذا كلام الله يا إخواني.
فالإيمان يقدم لك التفسير ويعلمك من أنت؟
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
أنت أكرم مخلوقات الله، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأمرك بطاعته ونهاك عن معصيته، وأنزل عليك كتبه، وبعث إليك رسله، وهيأ لك جنته، وحذرك ناره، أي تكريم أعظم من هذا التكريم؟! وتترك هذا كله وتذهب إلى الشيطان وتعبده وتطيعه، إنها والله خسارة كبيرة.
فأول شيء من آثار الإيمان أن الإيمان يعلمك لماذا جئت.