والقراءة التي نعنيها: قراءة التدبر والعمل، لا قراءة الهذرمة بدون عمل، القراءة المعنية قراءة التدبر ومعرفة الأمر ثم الانسياق وراء الأمر والابتعاد عن المنهي، هذا معنى قراءة القرآن إذا أردت أن يفيدك الله عز وجل، أما أن تقرأ ولا تعمل فأنت مثل من يشتري دواء فيردد اسم الدواء ثم يضعه، إذا اشتريت علبة دواء من السوق أليس في كل علبة ورقة تدلك على طريقة استعمال العلاج، فلو أنك أخذت الورقة هذه وجلست تقرأ مكوناته: يتكون البندول من كذا وكذا، دواعي الاستعمال: في الصداع وكذا وكذا، والجرعة: حبة في الصباح وحبة في المساء، فلو أنك قرأت هذه الورقة في اليوم عشرين مرة، لكن ما استعملت العلاج، فهل يذهب منك هذا الصداع؟ الغرض من قراءة هذه الورقة أو هذه الوصفة هو أن تستعمل الحبوب، لكن لو أنك قرأتها عدة مرات ثم ذهبت إلى الصيدلية وقلت: يا دكتور! أنت وصفت لي دواء وما نفعني، فقال: استعملته؟ قلت: نعم، والله إني أقرأ الورقة من الصباح إلى المساء، قال: استعملت الحبوب؟ قلت: لا.
ما استعملت الحبوب.
فسيقول لك الدكتور؟ هذه الورقة ما أعطيتك إياها لأجل قراءتها ولكن من أجل أن تفهم كيف تستخدم العلاج، وأكثر الناس اليوم يقرءون القرآن ويحفظونه ولا يعملون به، ويريدون أن يستشفوا من المرض الذي بهم.
فالله عز وجل ما أنزل القرآن من أجل أن يقرأ ويحفظ ولا يعمل به، يقول تبارك وتعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:٢٩] فالله أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً، يقول بعضهم: أنا أقرأ القرآن، حسناً تقرأ ولا تعمل! إذاً القرآن يلعنك:(رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) كأن تقرأ القرآن وأنت تكذب، وتقرأ:{ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:٦١] فتخرج الآية واللعنة من فمك إلى من هي موجهة إليه، وهم الكاذبون، فمن هو أقرب كذاب من المتكلم؟ فتخرج اللعنة من فمه إلى جبهته والعياذ بالله.
{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:١٨] وهو ظالم لنفسه بالمعاصي، ولغيره بأخذ حقوقهم، ولربه بالشرك بالله، فتخرج اللعنة من فمه إلى جبهته والعياذ بالله.
فمعنى قراءة القرآن يعني: التدبر والعمل، فمن الناس من يقرأ القرآن ويصلي وهو غير متوضأ، إذا جاءت الصلاة قال: هيا بنا نصلي ثم يقف في المسجد وهو يعرف أن سرواله نجس، وأنه غير متوضئ ويكبر: الله أكبر، ويركع، هذا مستهتر بدين الله، وربما يصل به الأمر إلى الكفر بدين الله، فمن الناس من يسمع قول الله فيما أمر ونهى ولا يطبق، هذا ما قرأ القرآن حقيقة بل كان القرآن حجة عليه لا حجة له.