[التقوى وصية الصالحين]
لم يزل السلف رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة يتواصون بها.
فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته: [أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وأن تجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠]] وعمر لما حضرته الوفاة كان يقول لأولاده: [اتقوا الله].
وكان علي إذا استعمل سرية أو رجلاً على سرية قال له: [أوصيك بتقوى الله، واجعل تقوى الله نصب عينيك، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جازاه، ومن شكره زاده] فاجعل تقوى الله عز وجل بين عينيك.
وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الخامس إلى رجل، فقال: [أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل].
إي والله أيها الإخوة في الله! إن القائمين والواعظين بهذه الكلمة كثير، ولكن الواقفين عندها والعاملين بها قليل إلا من عصم الله، فالله المستعان! يقول الناظم:
شقيت بما جمعت فليت شعري ورائي من يكون به سعيدا
أي: هذا المال الذي أخلفه من سيكون به سعيداً من بعدي؟
أعاين حسرة أهلي ومالي إذا ما النفس جاوزت الوريدا
يقول: أرى أهلي وعمارتي ومالي إذا النفس جاوزت الوريدا:
أُعدِّ الزاد من تقوى فإني رأيت منيتي سفراً بعيدا
تبدل صاحبي في اللحد مني وهال على مناكبي الصعيدا
فلو أبصرتني من بعد عشرٍ رأيت محاسني قد صرن دودا
وحيداً مفرداً يا رب لطفاً بعبدك حين تتركه وحيدا
الله المستعان! ولا إله إلا الله! لا إله إلا الله من تلك المواقف التي سنمر بها في يوم القيامة! لا إله إلا الله من تلك المواقف التي سنمر بها في عرصات القيامة! ولا إله إلا الله من ذلك الضيق وتلك الظلمات التي سوف نعيشها في القبور! يقول ابن قدامة، لما رأى شيبة في رأسه:
أبعد بياض الشعر أعمر مسكناً سوى القبر إني إن فعلت لأحمق
يخبرني شيبي بأني ميت وشيكاً وينعاني إليَّ فيصدق
تخرق عمري كل يوم وليلة فهل مستطيع رقع ما يتخرق
يقول: هل أحد يرقع ما يخرقه الزمان؟ لا والله! يقول:
كأني بجسمي فوق نعشي ممداً فمن ساكن أو معول يتحرق
إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا وأدمعهم تنهل هذا الموفق
يعني: الموفق بن قدامة:
وغيبت في صدع من الأرض ضيق وأودعت لحداً فوقه الصخر مطبق
ويحثو عليَّ الترب أوثق صاحب ويسلبني للقبر من هو مشفق
فيا رب كن لي مؤنساً يوم وحشتي فإني لما أنزلته لمصدق
وما ضرني أني إلى الله سائر ومن هو من أهلي أبر وأرفق
فيقول عمر رضي الله عنه: [إن الواعظين بها كثير، وإن العاملين بها قليل].
وخطب يوماً رضي الله عنه وأرضاه فقال: [أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف].
ويقول يونس بن عبيد: أوصيك بتقوى الله والإحسان؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وكتب رجل إلى أخٍ له: أوصيك بتقوى الله، فإنها أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت، أوصيك بتقوى الله، أعاننا الله وإياكم على طاعته وتقواه.
وكتب يقول: أوصيك وأنفسنا بتقوى الله فإنها خير الزاد، والله يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:١٩٧] ولما سأل شعبة رجل وكان يريد سفراً قال له: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.