[قصة طعام جابر يوم حفر الخندق]
معجزته يوم كانوا يحفرون الخندق، والخندق هو أخدود حفر حول المدينة كلها، وتصوروا هذا الجهد! وصاحب الرأي فيه هو: سلمان الفارسي؛ لأن سلمان عنده خطط حربية تعلمها من بلاد فارس، فلما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قال سلمان: نعمل خندقاً حتى لا تستطيع خيل الكفار أن تدخل على الناس، وإذا دخل منهم رجلان نقدر على مواجهتهم، لكن إذا دخلوا على الخيول فكيف يمكن مواجهتهم؟ فالفارس يمكنه أن يقطع رأسك وهو على رأس الحصان؛ لأن في يده سيف وأنت في يدك سيف، لكن هو على ظهر الحصان وأنت على الأرض، ولهذا الراجل ليس مثل الفارس، والفارس عنده ميزة للتفوق، فإن عنده قوته وقوة حصانه، فالحصان له قوة، قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) فعملوا الخندق من أجل الحيلولة دون دخول الخيل إلى المدينة.
وما هي وسائل الحفر؟ الأيدي، لا (دركترات) ولا حفارات ولا أي شيء، إنما بأيديهم وكانوا قلة، وجائعين وضعفاء، وما عندهم شيء، وظروفهم لا يعلمها إلا الله! وكلما وصلوا إلى حجر كبير يريدون إزالته لا يستطيعون، فيقولون للرسول صلى الله عليه وسلم فيأتي فيقول: باسم الله فيضربه فيكسره، وهذه من معجراته صلى الله عليه وسلم.
وكانوا على حالهم في الحفر حتى جاء الظهر، ولاحظ جابر رضي الله عنه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمارات الجوع، فذهب إلى البيت وسأل زوجته فقال: هل عندكِ طعام؟ قالت: عندي مد من طعام وعندنا شاة صغيرة، فطلب منها أن تعجن عجينها وذبح هو الشاة، وقال: اطبخيها وسآتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض النفر، يعني: واحد أو اثنان.
قال جابر: فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فساررته في أذنه وقلت: يا رسول الله! إن عندنا مداً من طعام، وعندنا شاة صغيرة ذبحناها وطبخناها، وأريدك أن تأتي أنت ونفر من أصحابك، قال: لا بأس، ثم أمر المنادي في أهل الخندق وكانوا ألفاً وخمسمائة رجل، قال: الغداء عند جابر.
لا إله إلا الله! كيف يغدي ألفاً وخمسمائة، هذا المجلس كم فيه -ربما خمسمائة- من يعشيكم؟ لا إله إلا الله!! لكن هؤلاء الصحابة منذ زمن ما ذاقوا اللحم، وما ذاقوا العيش، جائعين، لو قدم لأحدهم ذبيحة لأكلها كلها، وهذه شاة صغيرة من تكفي؟ يقول جابر: فعدت للبيت مباشرةً وقال: جاء رسول الله وأهل الخندق، ولكن انظروا إلى الزوجة المثالية المؤمنة الدينة العظيمة، قالت: هل أخبرته بما عندنا من طعام؟ قال: نعم.
قالت: لا عليك فهو يعلم ما يصنع، ولو أنها واحدة من نسائنا لصاحت وولولت وقالت: فضحك الله كما فضحتنا! والله لا أقعد في البيت، وتخرج.
والرسول قال لـ جابر: لا تنزلوا القدر حتى آتي، ثم جاء صلى الله عليه وسلم ومعه أهل الخندق كلهم، ودخل البيت وقال لـ جابر: أدخلهم عشرة عشرة؛ لأن البيت لا يتسع لأكثر من عشرة، وجلس صلى الله عليه وسلم وقدم القدر وقرب الخبز، فكان يلت الخبز في اللحم ويعطي عشرة فإذا اكتفوا خرجوا ودخل غيرهم، يعني مائة وخمسين مرة، حتى انتهوا كلهم، قال جابر: والله لقد انتهوا وقدرنا ما نقص منها شيء.
وهذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليس من الإسرائيليات ولا حديثاً ضعيفاً، فهذه المعجزة تأتي على يد من أيها الإخوة؟! والذي شهدها ألف وخمسمائة.
ليس واحداً ولا اثنين، فشهود الحادثة بالتواتر كما يقول ابن حجر: تكثير الطعام متواتر، فهو دليل على أنه رسول من عند الله تعالى.
وأما بعض الصوفية وأئمتهم فيكذبون على الناس، ومنهم شخص يخبرني عنه أحد العلماء، كان يرسل في الصباح إلى الصحراء بعض تلاميذه ويقول لهم: دسوا في الرمل برتقالاً وتفاحاً وماءً ثم يأتي في العصر ويأخذ المريدين والتلاميذ ويخرجهم إلى المكان المحدد وقد بينه بعلامة ويقول: ماذا تريدون؟ قالوا: ماذا تريد أنت؟ قال: أتريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم، قال: احفر هنا يا ولد، فيحفر فيخرج التفاح، قالوا: الله! هذه كرامة من كرامات الولي، وكان أحد تلاميذه ذكياً فراقبهم ذات يوم وحين ذهبوا كعادتهم، ذهب وأخذ البرتقال والتفاح، وجاء الشيخ بعد العصر، وقال: هل تريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم يا شيخ، قال: احفروا هنا، وإذا به لا يوجد شيء، قالوا: ماذا هناك يا شيخ؟ قال: فيكم رجل عاصٍ.
قال هذا الولد: والله إنك أكبر عاصٍ، ودجال تضحك علينا وأنت تدسها كل يوم، وقام يتكلم مبيناً لبقية التلاميذ أنه كان يرسل بعض طلابه في الصباح ليدفنوها في الرمل؛ حتى يكذب عليهم.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعجزته صدق.