[أداء الزوجين لما عليهما من الواجبات]
كلام الشيخ حامد المصلح: بقي الآثار المترتبة على الخيارات الزوجية، وشرها وآخر العلاج الكي وهو الطلاق، لكن قبل ذلك نود أن نعرج على قضية، وهي: هل تعدد الزوجات سبب من أسباب المشكلات أم لا؟ كلا م الشيخ سعيد بن مسفر: بسم الله الرحمن الرحيم كما ذكرنا -أيها الإخوة- أن الزواج يشكل اللبنة أو النواة الأولى من لبنات المجتمع، وعلى ضوء صلاح الأسرة وتفاهمها وانعدام المشاكل فيها، يتكون من ذلك صلاح المجتمع، وفي ظني والله أعلم: أن من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الخلافات الزوجية إلى جانب ما ذكره صاحب الفضيلة الدكتور الشيخ جابر، والشيخ حامد حفظهما الله، هو عدم قيام أحد الزوجين بالحقوق التي أوجبها الشرع عليهما، سواء المرأة أو الرجل، ومن الطبيعي إذا قصر أحد الزوجين في القيام بالحقوق الواجبة عليه، فإن الطرف الآخر يضطر إلى المطالبة بها، وإذا لم يكن عند الآخر إنصاف وعدل، اعتبر المطالبة بالحق نوعاً من سوء الأدب والعشرة، فيتصرف تصرفاً غير سليم، وبالتالي تزداد المشاكل، والشرع حينما أمر بالزواج نظمه وبيّن الحقوق على الرجل وألزمه بالقيام بها، وأيضاً بيّن حقوق المرأة تجاه الرجل وألزمها بالقيام بها، يقول عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:٢٢٨] الدرجة التي ميز الله بها الرجل: هي درجة القوامة؛ لأن الحياة الزوجية شركة، والشركة لا يمكن أن تسير إلا بمسئول، والأقرب إلى القيام بالمسئولية هو الرجل؛ لأن الله أعده لهذا، فلا تصلح شركة فيها مديران، ولا تصلح إدارة فيها مديران، ولا تصلح دولة بملكين، أبداً، لا بد من شخص يتخذ القرار، بل الكون كله لله يقول الله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢].
فلا بد أن يكون لهذه الشركة مسئول، والمسئول هو الزوج، وهو صاحب القرار، ولكن مسئوليته هذه لا تعني الاستبداد والتسلط والقهر والإذلال، لا.
وإنما تعني المسئولية أمام الله، بأنه لا بد أن يرحم هذه الأسرة، وأنه لا بد أن يشاور هذه المرأة، وأن يأخذ بما يسعدها، وأن لا يكلفها ما لا تطيق، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩] ويقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وإذا أردت أن تقيِّم رجلاً، فإن أعظم من يقيِّمه زوجته، الناس إذا قيِّموه يكتبون في تقييمهم ما ظهر منه أمامهم، فقد يتظاهر أمام الناس بأنه صاحب خلق، وبأنه حليم، وبأنه كريم؛ لأنهم يعايشونه فترة معينة.
أما المرأة التي تعايشه باستمرار، فهي التي تعرف مدخله ومخرجه، وتعرف جميع وسائل حياته وأساليبها، ولذا إذا أثنت عليه امرأته خيراً فهو ذو خير، وإذا أثنت عليه شراً فهو ذو شر؛ لأنها تقيمه على فهم واضح، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس، ومن الذي يثني عليه؟ يثني عليه نساؤه، صلوات الله وسلامه عليه، لما طلبوا المزيد من النفقة أراد الله عز وجل أن يجعل بيت النبوة بيتاً مثالياً لا يمكن لأحد أن يصل إليه، فأمر بتخيير النساء بين العيش معه على العيشة التي قد رضيها الله له، وبين أن يسرح، فبدأ يخيرهن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٢٨ - ٢٩].
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ عائشة قال لها: (يخيرك الله بين أن تبقي معي على هذا الوضع الذي أنا فيه من شظف العيش من النفقة المحدودة)؛ لأنه بيت مثالي وليس بيت ملك، ولا بيت غني، بل حجرات محدودة، وفراش محدود، وطعام محدود، وعيشة بسيطة، وإن كنت لا تريدين هذه العيشة ولا تستطيعين، قالت: أفيك أخير يا رسول الله؟ أي هل يمكن أن أختار أحداً في الدنيا غيرك؟! لماذا؟ هل أغراها النبي صلى الله عليه وسلم بالمال؟ لا.
بعض النساء الآن لا تعيش في ظل زوجها إلا بالإغراءات المادية، يغير لها المتاع كل سنة، يغير لها الذهب كل عيد، يغير لها الملابس بالآلاف، لا تنزل إلى السوق إلا ومعها خمسة أو ستة آلاف ريال، ولذلك يسكت غضبها بالفلوس، بعضهم يغريها بالنواحي الأخرى، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغرها بالمال، ولم يغرها بأي شيء، وإنما بالخلق الكريم، وبالتعامل العظيم، صلوات الله وسلامه عليه.
فلا بد -يا أخي الكريم- أن تشعر بأن المرأة لها حق، مثل ما لك حق، ولسنا في صدد بيان حقوق الزوج فإن أكثر الأزواج يأخذون حقوقهم بالقوة؛ لأن المرأة ضعيفة، فالرجل دائماً يأخذ حقه إن رضيت بالطيب أو بالغصب، لكننا نوصي -أيها الإخوة- في حقوق النساء؛ لأن كثيراً من الرجال لا يرى إلا حقه أما حقها فلا يراه، مثل البعير لا يرى عوجة رقبته، لو سألت الجمل: كيف رقبتك يا جمل؟ قال: رقبتي أسمح من المسطرة، وهي أعوج رقبة في الدنيا؛ لأنه لا يراها هو، وكذلك بعض الرجال لا يرى الأخطاء التي يرتكبها هو، وإنما يرى أخطاء زوجته ولا يرى أخطاءه، فلا بد أن تكون منصفاً عادلاً، وتقوم بالحقوق التي أوجبها الشرع عليك، من العشرة الطيبة، والمعاملة الحسنة والنفقة بقدر ما منّ الله عليك من الرزق {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:٧] ومن إكرامها إكرام أهلها، والمناداة لها بأحسن العبارات، والمباسطة لها بالقول، والسمر معها، والإدلاء إليها بما في قلبك، ولا تحتقرها، فهي شريكة حياتك، بعض الناس لا يعطي زوجته شيئاً مما في قلبه، بل إذا دق الهاتف ورفع السماعة، رأيت منه رداً غير الرد الذي يتعامل به مع زوجته، زميله يدق عليه فيرفع السماعة: (ألو، أهلاً، كيف الحال، عساك طيب)، وبعد أن يضع السماعة، قال: يا امرأة هاتي الشاي، لماذا مع المرأة كلام غليظ، ومع ذلك كلام مثل العسل؟ لماذا لا تقول لها: يا فلانة يا أم فلان أعطيني كذا؟! أُدعها بأحسن الأسماء، وأكرمها؛ لأنك إذا أكرمتها حتى لو لم تكن صادقاً.
يقول الشيخ: إن الله أباح لنا أن نكذب على النساء، لماذا نكذب؟ من أجل أن تدوم العشرة، عندما تقول: والله أنا أحبك، ولو أنك لا تحبها، تراها مسكينة تفرح، إذا طبخت لك طعاماً ولو لم يكن حسناً أو جيداً، وقلت لها: إن الطعام شهي، وما أحسن هذا الطعام، تراها تتفانى من غدٍ وتتفانى في تقديم أحسن الطعام، وإذا كان الملح كثيراً قل لها: ما هذا من ملح اليوم، ممتاز مرة، تجعله بعد ذلك أحسن، ولكن أنت عندما تدق عينها، وتحطمها، وتبحث عن عيوبها، طبعاً هي إنسانة مضطرة أن تتعامل معك بنفس التعامل الذي تتعامل به معها.
لا بد -أيها الإخوة- من قضية القيام بالحقوق المشتركة، حقوق الزوج وحقوق الزوجة، فكما أن الله عز وجل أوجب للرجل على المرأة حقوقاً، أيضاً أوجب للمرأة على الرجل حقوقاً، فليعرف كل فرد منهم الحقوق المترتبة عليه وليقم بها، وإذا قام الزوج والزوجة بالحقوق فإن هذا سوف يؤدي إلى انعدام المشاكل، هل يوجد رجل يريد المشاكل في بيته؟ لا.
إذا وصل الرجل إلى بيته من عمله متعباً ووجد امرأته أمامه، تستقبله بالبسمة، وبالعبارة الطيبة، وبالخدمة المتناهية، ثم جلس ووجد الطعام الشهي اللذيذ، ثم بعد ذلك وجد الفراش الوفير، ووجد الطمأنينة، ووجد الأولاد قد حصروا في مكان بعيد عنه، بحيث يجد له ساعة أو نصف ساعة بعد الدوام لينام فيها ويرتاح، ثم بعد العصر يخرج بعد الصلاة ليجد أمامه الشاي والتمر والقهوة والمكسرات، ثم بعد ذلك يجد زوجته تقدم له كتاباً أو تقدم له شريطاً ليسمعه، هل يبقى هناك مشاكل؟ لكن بعض الزوجات ما عندها هذا الكلام كله، فماذا يحصل من الزوج إذا دخل وهي: (لاوية خشمها) ما سلم عليها، حينما يدخل يجد أمامه مشكلة.
عليك أن تعاملها بما ينبغي أن تعاملك به، بحيث تسلم، وتعلمها بالأدب وبالتكرار، حتى تقوم بالواجب، هذا إن شاء الله مع الممارسة ومع الصبر.