للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستدلال على وقوع الخزي في الآخرة بخزي الدنيا]

الدليل الأول: يحصل للإنسان حينما يرتكب سلوكاً يؤدي به إلى موقف مشين، مثلما لو جيء بالزاني وجلد بالسوط، وقد رأيت أنا بعيني زانياً بكراً -أي: غير محصن- يعني: ما رجم ولكن جلد مائة سوط، أخرج بعد أن صف الناس وجيء به من السيارة وأنزلوه، فلما نزل كان الناس كلهم يريدون أن ينظروا إليه، ففي هذا الموقف المخزي المشين وهو خجلان كان قد تلثم بغترته فكان لا يرى الناس إلا عيونه، لكن المنفذ للحكم الشرعي مأمور هو أن يعريه حتى يراه الناس؛ لأنه لم يستح حين زنى فكيف يستحي هنا؟ إذ ليس هذا بمكان حياء، مكان الحياء قبل إقدامك على حرمات الله وارتكابك لمحارم الله، وتجرؤك على محارم المسلمين فهناك يجب أن تستحي! أما هنا فلا حياء (وما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له).

فجاء المنفذ وأخذ الغترة والقبعة من فوق رأسه، وظهر رأسه ثم جاء اثنان وأمسكاه من الأمام، وجاء رجل بعصا من الخيزران وبدأ يضرب في ظهره، وفي مقعدته، وفي سيقانه، وكان يمد للعصا؛ لأن الرجل لا يثبت مكانه، بل يتحرك، فهو يتلوى من الألم، فالجلاد يضربه في الأسفل، فإذا مال ضربه في الأعلى، فإذا رجع ضربه في الأسفل وهكذا.

المهم أنه بقي يتألم ويتلوى كالثعبان في هذا الموقف حتى أشفق الناس عليه ورحموه كلهم، ولكن الله تعالى يقول: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ} [النور:٢] لا ترحمه؛ لأن الذي عذبه هو أرحم الراحمين! والذي أمر بجلده وسلخ جلده هو أرحم الراحمين، ففي موقف مشين كهذا يتمنى أنه ما عرف الزنا.

الدليل الثاني: لو أن إنساناً قتل آخر ثم قبض عليه وحكم عليه بالإعدام، وأخرج إلى ساحة القتل والقصاص في يوم الجمعة، وخرج من سيارة الشرطة، ثم نظر إلى الموقف والناس كلهم مصطفون ينظرون هذا الموقف، فعيون الناس كلها تريد أن تراه يريدون أن ينظروا إلى هذا الذي قتل، وهو ينظر إليهم ويتأمل فيهم ويعرف هو أن كل هؤلاء الناس سوف يذهبون بعد لحظات إلى بيوتهم؛ يأكلون ويشربون مع زوجاتهم وأولادهم، وينامون في بيوتهم ويباشرون مصالحهم ويعودون إلى أعمالهم، أما هو فأين سيذهب؟! سيذهب وهو يقاد إلى المقصمة إلى الموت، فيموت حينما يراهم، ويموت حينما ينزل من السيارة، ويموت في كل لحظة وخطوة ونظرة، ثم يجلس ويكتف وهو يموت، وفي لحظة من لحظات الخزي التي لا يعلمها إلا الله، ولو أخذنا من قلبه شريحة وحللناها ورأينا ما هو شعوره في تلك اللحظات؟ وماذا يدور في ذهنه؟ هل هو في حالة من السعادة؟ أم في حالة من الشقاء في الدنيا وينتظر أيضاً ما أعده الله للقتلة في النار؟ لأن القتل في الدنيا لا يقضي على المسألة، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (إن المقتول يبعث يوم القيامة ويده في تلابيب قاتله، ورأسه في يده الأخرى، وأوداجه دماً ويقول: يا ربِّ! سل هذا لم قتلني بغير حق؟) والله تعالى يقول في سورة النساء وهي من آخر ما نزل من القرآن؛ لما سئل ابن عباس عن توبة القاتل قال: كيف يتوب، وكيف نحكم بتوبته والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:٩٣] كيف تكون توبته؟ ثم إن القتل الذي حصل للقاتل هذا وفاء بحق الورثة؛ فإن الورثة بمجرد موت المقتول أصبح الحق لهم، فهم بالخيار بين أخذ الدية أو القصاص، لكن هذا الذي قتله القاتل قتل بغير حق، فالقاتل هذا مقتول بحق، لكن الأول مقتول بغير حق، ولهذا يقول الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:٣٢] ويقول عليه الصلاة والسلام: (أول ما يقضى يوم القيامة في الدماء) ويقول: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) الدم الحرام ثقيل ليس بسهل، والدماء ليست سهلة عند الله يوم القيامة.

فهذا القاتل كيف يكون شعوره وهو ذاهب إلى الموت؟ وهل من الموت مهرب؟ لكن من يقاد إلى النار ويسحب على وجهه إليها يتذكر وهو في طريقه فيعرف أن سبب هذا المصير هو معصية الله، ورفض دين الله، فيمقت نفسه، ويسخط نفسه، فتناديه الملائكة، وكلمة (ينادون) يسميها العلماء: فعل مضارع مبني للمجهول، لماذا لم يُبنَ للمعلوم؟ لأن المخاطبين مجهولون عند الله -أي: ليس لهم قيمة- فبنى الله الفعل للمجهول لجهالة المخاطبين: {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ} [غافر:١٠] وسخط الله وغضبه {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر:١٠] لماذا؟ قال: {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر:١٠] ترفضون الدين {قَالُوا رَبَّنَا} [غافر:١١] قولهم: (ربنا): مثل تلك الأولى {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون:١٠٧] لكن في غير مكانها في الله، (رَبَّنَا) سألوا الله بصفتين عظيمتين من صفات الله عز وجل وهي: صفة الإحياء والإماتة، قالوا: (ربنا) يا من تحيي وتميت! لقد أحييتنا اثنتين وأمتنا اثنتين -أي: كنا أمواتاً في الأصل فأحييتنا في الدنيا، ثم أمتنا ثم أحييتا- فما دمت قادراً على الإحياء والإماتة نطلبك أن تميتنا المرة الخامسة، يريدون الموت ولا يريدون الحياة {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:١١] هل هناك إمكانية للخروج من النار؟ فلا يجابون هذا، ويعرض عن جوابهم، ولا يقال لهم بعدم الخروج؛ لأن الخروج مستحيل، وإنما يقال لهم السبب الذي من أجله دخلوا، فيقال لهم: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:١٢].

فيا إخوتي في الله! هذه مشاهد حية من القرآن مما سيحدث في القيامة، مشاهد ملموسة لكأننا نراها بأعيننا، والله قد نقلها لنا من أجل أن نأخذ العبرة والعظة ولا نسوف ونماطل ونجازف حتى نصير إلى ذلك المصير المشئوم أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

ألا وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله فقد أمركم بذلك مولاكم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمر الكفرة واليهود والملحدين وأعداء الدين، اللهم من أراد بهذه البلاد وبغيرها من بلاد المسلمين شراً أو كيداً فاجعل شره في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، فإنه لا يعجزك.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاتنا من خير من أطاعك واتقاك، اللهم اهدهم إلى هداك، واستعملهم في رضاك، وأعنهم على طاعتك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك في هذه الساعة بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تعتق رقابنا من النار، ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين.

اللهم نوَّر على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم اشف مرضى المسلمين، وفرِّج هم المكروبين، واكتب الصحة والسلامة لنا ولكافة عبادك المؤمنين في برك وبحرك أجمعين.

اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث الأمطار في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم إن بالبلاد والعباد من اللأواء والشدة والضيق ما لا نشكوه إلا إليك فلا تحرمنا يا مولانا من فضلك فإنك أنت أرحم الراحمين، وأنت أكرم الأكرمين، وأنت أجود الأجودين.

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا يا مولانا إنك أنت الغفور الرحيم.

عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.