[كثرة التقرب إلى الله بالنوافل]
الثاني: كثرة التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض: والدليل على هذا حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل (ما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه) أعظم عمل تتقرب به إلى الله هو الفريضة؛ لأنها شيء مطلوب محتم عليك، ولابد أن تأتي به، فمن فضل الله أن جعله محبوباً عنده كأعظم ما يكون ما دام أنك ملتزم به، لكن لا يكفي بأن تنال به محبة الله، صحيح أن العمل الذي تقدمه من صلاتك للفريضة محبوبٌ عند الله، لكن لا تنال بهذا العمل محبة الله فمحبة الله لك أنت تنالها بشيء آخر، قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه).
(حتى) هنا للغاية أي: العبد يتقرب يصلي الفريضة ويقول: لا يا ربِّ هذه الفريضة مفروضة مني، مفروغ منها، مالي فضل فيها، أريد أن أقدم شيئاً زائداً عليها حتى أحبك، فأنا أصوم الفريضة، وأصوم معها النافلة، وأنا أصلي الفريضة وأصلي معها النافلة، وأنا أقرأ القرآن نافلة، وأنا أحج فريضة، وأعمل معها نافلة، وأنا أتصدق بفريضة الزكاة وأعمل معها نافلة، لماذا؟ قال: لأنال محبة الله.
(ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فيصبح العبد ربانياً مثل ما قال الجنيد: بالله يقسم، وبالله يسمع، وبالله يبطش، وبالله يسير، يقول عز وجل: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها).
ما معنى هذا الكلام؟! قال العلماء: معناه: أنه يبصر بالله فلا تقع عينه إلا على ما يحبه الله، ويسمع بالله فلا تسمع أذنه إلا ما يحبه الله، ولا تسير رجله إلا إلى ما يحبه الله، ولا تمتد يده إلا إلى ما يحبه الله، أصبح عبداً ربانياً يسير في كل شئونه على أمر الله عز وجل.
متى نال هذه الدرجة؟ ومتى بلغ هذه المنزلة؟ بالنوافل، قال العلماء: النوافل هي إدامة الطرق على باب الله، تطرق باب الله عز وجل بالفريضة فيفتح لك، لكن بعد الطرق والفتح تديم وتزيد فيفتح لك أكثر، وتقبل أكثر، وتنال محبة الله عز وجل.
ولذا كان السلف رضي الله عنهم يتنافسون في هذا المجال منافسة عظيمة: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] كانوا يصومون كثيراً، ويتصدقون كثيراً، ويجاهدون كثيراً، ويقرءون كثيراً، ويذكرون كثيراً يتنافسون في العمل هذا، لماذا؟ لينالوا محبة الله عز وجل، ونحن نريد -أيها الإخوة- أن نصبغ أنفسنا بهذه الصبغة، لا نريد لشبابنا.
ولا من شباب الصحوة فينا أن يجعلوا اهتماماتهم اهتمامات لا جدوى منها، نريد أن يصلحوا أول شيء البواطن من الداخل، صحيح أن من الناس من يتحرك قلبه من الداخل، ثم بعد ذلك ينطلق فيرى منكرات ويرى آثاماً ومعاصي، فيضطر أن يصطدم بها ويعمل على إزالتها؛ لكن يهمل جانب الإيمان هنا، فتجده لا يصلي الفريضة في المسجد وهو يتقطع قلبه على الدين، تفوته صلاة الفريضة وينام عنها، وتجده لا يصلي نافلة في الليل، لا يصوم النافلة، يقصر في النوافل فيحرم أعظم شيء وهو محبة الله عز وجل.
قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) فتصبح العلاقة بينه وبين الله علاقة قوية، بمجرد السؤال يعطيه الله، والتعبير هنا (لأعطينه) مؤكد بمؤكدين: لام القسم ونون التوكيد المثقلة (لأعطينه) ما قال أعطيه (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ثم قال في رواية ليست للبخاري رواية في السنن: (وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه) هذا الثاني -أيها الإخوة- كثرة النوافل.