أما جهاد الأهل، والزوجة، والأبناء، والوالد، والأم فهذا كله جهاد، لكن يلزمك أن تجاهد كل شخص بأسلوب، جهادك لزوجتك ليس مثل جهادك مع أبيك، لماذا؟ لأن زوجتك فأمرك عليها، أما أبوك فأمره عليك.
فالذي فوق تسترضيه وتستعطفه، والذي تحت تجبره، إن صلح بالطيب وإلا بالغصب، لماذا؟ لأن الله عز وجل قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:٦] وقال بالنسبة للوالدين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}[لقمان:١٥] إذ هما كافرين {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان:١٥] فإذا كان الله يأمر بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف، فإن مصاحبة الوالدين المسلمين بالمعروف أولى؛ لأن من الشباب الطيب من يعامل والديه معاملة سيئة، بل قد شكا إليّ أكثر من رجل من أولاده، يقول: أولادنا طيبون صالحون لكن عصاة عندنا والله لا يعطيني إصبعه، وإني أبحث عنه أربعاً وعشرين ساعة، أريده أن يأتي لي بماء فلا أراه، أريده أن يأتي لي بالغاز فلا أراه، أريده أن يقضي لي حاجتي في البيت فلا أراه، أريده أن يدرس إخوانه فلا يدرسهم، وإنما لا أراه إلا يأكل ثم يخرج.
فهذا فاشل ولو كان داعية، ولو كان فيه خير لكان خيره لأهله، إذا كان فاشلاً في استصلاح أبيه وأمه وإخوانه فسيكون في استصلاح غيره أفشل، وإذا أردت أن تكسب أباك، أو أمك بالدعوة أن تكسب أهلك كلهم فأولاً: يجب أن تعطيهم، حتى تأخذ منهم، أما أن تدخل البيت قائلاً: حرام، حلال، ممنوع، لا ينفع، ثم تخرج، وتصدر أوامر ثم تخرج، فهنا لا أحد سيطيعك، لكن اجلس في البيت أولاً، ولازم أباك، وكن معه، وكل عمل يريد أن يقوم به تقول: لا والله لا تسير إلا وأنا قبلك، فحين يريد أن ينزل إلى السوق ليشتري لوازم البيت تقول: لا.
أنا أذهب عنك، يريد أن يأتي بغاز تقول: والله لا تحملها، أنا أحملها، يريد أن يأتي بماء، تقول: والله أنا أذهب، يذهب إلى أي عمل ليعمله هو، قل: لا.
لا تعمل شيئاً، أنا خادمك، أنا قدمك تسير عليها يا أبت، إذا لم أنفعك اليوم فمتى سيكون؟ فلو أنك عملت هذا الكلام قبل أن تأمره أو تنهاه، وقبل أن تقول له شيئاً، خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر، أصبحت سمعه وعينه، وقلبه، تقول: يا أبت! نذهب كذا، يقول: هيا يا ولدي! الله يبارك فيك، تقول: يا أبي! هناك ندوة في مكان كذا، فيقول لك: هيا نذهب يا ولدي، لماذا؟ لأنه يعتبر الدين الذي هداك وأصلحك له، كسب ويريد أن يكون متدين هو أيضاً، لكن عندما يراك شارداً منه ولو كنت تذهب في مجال الدين، ومع أهل الخير، ولكن لا يراك؛ يكره الدين، يقول: والله ما أفسد عليّ ولدي إلا الدين، والله ما أفسد عليّ ولدي إلا هؤلاء، يذهب معهم الليل والنهار ولا أراه، فيضطر إلى أنه يتخذ موقفاً من أهل الخير بناءً على سلوكك أنت، ففشلك في استصلاح والدك أثر حتى على دينك، وجعله يستقطب عداوته للدين، ويؤثر الأب على الإخوان، وتفشل في إصلاحهم ويؤثر الأب على الأم فتقف ضدك.
يقول لي أحد الشباب: وقد نصحته يوماً من الأيام في هذا الموضوع، فذهب إلى البيت وأمه طبعاً مسكينة عندها أولاد وعندها بنات ولكن أولادها صغار، وبناتها صغار وهي تعاني من الحمل والوضع، فقلت له: ماذا تفعل في البيت؟ قال: لا شيء، قلت: لا تتركها تغسل صحناً واحداً، منذ أن تنهوا طعامكم، لا تقم لتغسل يديك وتقعد على سريرك، بل ارفع الأواني واجمع الصحون مع بعضها وارفع السفرة، وقل: والله لا تغسلين، أنت طبختي كثر الله خيرك، لكن الغسيل ليس فيه مشكلة فأنا سأغسل الصحون والأواني، والله إن هذا العمل دين تتقرب به إلى الله.
فمارس هذا الأمر معها هي تحلف وهو يحلف، المهم انبسطت منه، وحين يقول لها أي شيء، تقول: حسناً يا ولدي الله يوفقك، لماذا؟! لأنه خدمها، أعطاها شيئاً فأخذ منها أشياء، أما كونك تريد أن تأخذ ولا تعطي، فهذه سلبية لا يمكن أن يوافقك الناس عليها.
الجهاد جهاد الأهل، بالنسبة للأم والأب، وبالنسبة للأخوة اللطف، والصبر، والحكمة، والإحسان؛ لأن أخاك مثلك إذا أتيت تأمره يقف ضدك، ولو أن أخاك اهتدى قبلك، ثم مارس عليك أسلوب القوة والقصر، وأنت قبل أن يهديك الله لرفضت، لكن الله هداك فاشعر بنعمة الله عليك لاستصلاح إخوانك، وأما زوجتك وأولادك فينبغي لك أن تمارس معهم الحكمة والوعظ والإرشاد واللطف، لكن إذا رفضوا فعليك بالقوة؛ لأن لك سلطة عليهم.