هذه النعم -يا عباد الله! - والله إننا نخاف عليها، وإن سبب زوالها هي المعاصي يقول:
يا نعمة الله حلي في بوادينا وجاورينا ولا تغدين من داري
أجابت النعمة إن الشكر يلزمني وإن باب المعاصي باب إنداري
والله تبارك وتعالى يقول:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٦] لقد أصلح الله الأرض بالرسالات والأديان وأفسدها الناس بالمعاصي والعصيان، ولكن الله له سنة، يقول:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:١٠٢] وانظروا إلى من سواكم فوقكم في بلاد الحرمين إلى الذين في الشمال وفي الجنوب، والذين في الشرق والغرب، وكل دولة فيها حرب وضرب وفقر وحروب وأوبئة وكوارث، والله حاميكم في هذا البلد حمانا بماذا؟ هل لأننا صنف ونحن غير الناس؟! لا حمانا ببركة الدين على آثار ما عندنا من الدين ولكن نخاف يا إخواني نغير، والله يقول:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:١١] ويقول الله في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي ما تغير عبد من عبادي مما أكره إلى ما أحب إلا تغيرت له مما يكره إلى ما يحب، وعزتي وجلالي ما تغير عبد من عبادي مما أحب إلى ما أكره -يعني من المعاصي- إلا تغيرت له مما يحب إلى ما يكره) وإذا عذب الله الناس في الدنيا فإنه يعذبهم عذاباً عاجلاً: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٢٦].
وتعرفون القصة التي ذكرها الله عز وجل في سورة القلم عن أصحاب الجنة وأصحاب البستان، يقول الله:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ}[القلم:١٧] أي: اختبرناهم: {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}[القلم:١٧] هؤلاء مجموعة من الأولاد كان أبوهم صالحاً وكان لهم بستاناً، وكان هذا الأب الصالح إذا خرجت غلة بستانه وزروعه قسمها ثلاثة أقسام: قسم يأكله هو وأولاده، وقسم يتصدق به لله، وقسم يرده في المزرعة، ولكن أولاده لا يريدون هذه القسمة، فحين مات أبوهم اجتمعوا وقالوا: إن أبانا ضيع رزقنا، لماذا يعطي الفقراء الثلث والله هذا حقنا ولا يخرج منه حبة واحدة، فاجتمعوا في الليل، {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا}[القلم:١٧] كلهم حلفوا: {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}[القلم:١٧] أي: في الصباح {وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ}[القلم:١٨ - ٢١] قاموا كلهم يتنادون قبل الفجر وقالوا: نحصده مبكراً أن يأتي الفقراء، أي: إذا تأخرنا سيدخلون علينا في البستان: {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}[القلم:٢٤] لا يدخل شخص فقير: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}[القلم:٢٥] لكنهم تمالوا على الفسالة فالله يسري عليها بالليل، قال الله:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}[القلم:١٩ - ٢٠] ما صرمها الله لهم لكي يكفيهم حتى يروها جاهزة، بل صرمها وأعدمها وأحرقها، حتى أنهم ما عرفوا بلادهم:{فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ}[القلم:٢٦] نحن ضائعون ليست هذه بلادنا، أين مزرعتنا؟! أين بستاننا؟! أين ضعنا؟!:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ}[القلم:٢٨] اذكروا الله: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[القلم:٢٩]{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}[القلم:٣٢] ثم قال بعدها: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ}[القلم:٣٣] أي: هذا عذاب الدنيا: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[القلم:٣٣].
فنحن لا نخشى أن تزول منا هذه النعم، وإذا زالت فوالله إنها مصيبة، والله إنه يموت أكثر الناس ويؤلمه الجوع ولا أحد يرى شيئاً من هذه الفواكه ومن هذه الخيرات، إن أكثر الناس يموتون جوعاً، ولكن نخشى أن ينزل العذاب وتزول النعم وعذاب آخر وهو عذاب الله في الآخرة، ولكن إذا أردنا النعيم الذي بين أيدينا يكثر يزيد والذي ينتظرنا عند الله عز وجل يزيد فلنتمسك بطاعة الله؛ لأننا إذا تمسكنا بطاعة الله تبارك وتعالى أعزنا الله في الدنيا والآخرة، يقول الله تبارك وتعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ}[فاطر:١٠].