عظمة هذا الدين وقوة هذا الإسلام إنما تتجسد وتظهر في كونه ديناً ربانياً، والذي شرعه هو الله الذي لا إله إلا هو، وهذه الصفة أكسبت هذا الدين صفة الكمال والشمول والعدل، فلا تعتريه جوانب نقص، ولا تزعزعه أو تلعب به الأهواء والرغبات؛ لأن الذي أنزله منزه عن النقص، والذي شرع أحكامه لا يراعي جانباً على حساب جانب، وإنما يحكم بعلم وبقدرة، وبإرادة تشمل مصلحة هذا الإنسان، ولذا سن له النظام والقانون الذي يصلحه في هذه الدنيا ويصلحه في الدار الآخرة، ولا اختلاف فيه كما هو موجود في الدساتير والأنظمة التي تضعها البشرية لنفسها.
ما من نظام يوضع في أي زمن من الأزمان أو في أي بلد من البلدان إلا وتدخل عليه تفسيرات، وتعديلات وتبدو فيه جوانب نقص؛ لأن الذي يضعه ناقص وله أهواء ورغبات، ويراعي جوانب أناس ويهمل جوانب آخرين، يعرف شيئاً من أسرار النفس ويجهل أشياء منها، ولذا يعدل ويبدل وما إن يموت إلا ويأتي غيره فيكتشف أخطاء في النظام الذي سبق، فيلغي ويبدل ويعدل ويفسر ويحول من أجل أن النظام غير متكامل.
لكن نظام الله كامل لا يعتريه نقص:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] كامل في أحكامه، شاملٌ في نظمه، فصفة الربانية فيه واضحة، ليس نظاماً بشرياً، ولو كان نظاماً بشرياً لتغلبت فيه جوانب العواطف والرغبات، وجوانب الطبقات، لكنه نظام رباني وضعه الله وهو يعلم أسرار هذه النفس وما يصلحها وما يسعدها في الدنيا والآخرة، ولذا فهو نظام لا يأتيه الباطل، قال الله عز وجل:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤١ - ٤٢] لا يأتيه الباطل أبداً، والواقع يثبت هذا الأمر حينما يطبق نظام الله عز وجل؛ لأن الله اختار للبشرية فيه أعظم هدى، قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:٩] وأقوم هنا للتفضيل، هذا القرآن يهدي ويدل ويرشد لما هو أفضل للبشرية في عقائدها، وعباداتها، وتشريعاتها، وأفضل في معاملاتها وآدابها، وأخلاقها، فما من شيء دل عليه الله وأمر به إلا وهو أفضل ما يكون على وجه الأرض، وما من شيءٍ حذر الله منه ونهى عنه إلا وهو أسوأ ما يمكن أن يكون في الأرض.