للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتنة الأمة في قبورها]

حدث عروة بن الزبير، وعروة هذا أيضاً من خيار التابعين، ليس صحابياً؛ لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من كرامته أن تعلم عليه بعض الصحابة، وكان أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان عالماً عظيماً من علماء المسلمين، وأيضاً كان يتتلمذ على خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فإن أباه الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ذات النطاقين، فهو كريم المحفد من الأم والأب، جده أبو بكر لأمه، وأبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه، فهذا رجل عظيم في ثقافته وفي فكره، وقد روى كثيراً من الأحاديث، وكان من أشهر عباد الله عز وجل، كان يقول: [ما تركت ربع القرآن ليلة -كل ليلة يقرأ سبعة أجزاء ونصف- إلا ليلة قطعت رجلي فلم أستطع] كيف قطعت رجله؟ قطعت رجله بعد أن دبت فيها الآكلة، وهو داء يأكل العظام، فنصح بقطعها من أسفلها فأبى، قال: ما أريد أن تقبر رجلي لوحدها، فلما وصلت إلى ركبته قالوا له: إن لم تقطعها فسوف تتجاوز إلى أكثر من ذلك، فأشار إليه الخليفة أن يقطعها، فوافق على قطعها، وكيف قطعها؟ قالوا له: نريد أن نسقيك مسكراً -وهو المخدر- قال: لا.

إني أحتسب على الله ألمها كما أحتسب فقدها، يقول: أحتسب فقدها، ولكن تفقد مني بألم أحتسبه عند الله، فجيء إليه بالسكين وقطع اللحم، ثم جيء إليه بالمنشار فنشر العظم، ثم انتهوا منها وجاءوا بالسمن المحمي ووضعت رجله فيه حتى لا ينزف دمه فيموت، ثم قال: وقد رفع رأسه إلى السماء: [اللهم إنك ابتليت فعافيت، وأخذت وأبقيت، جعلت لي أربعة أطراف وأخذت منها واحداً وبقي ثلاثة] رضي الله عنهم وأرضاهم.

هذا التابعي الجليل العظيم لما نظر إلى رجله في الطست بعدما وضعوها رفع نظره إلى السماء وقال: [اللهم إنك تعلم أنها ما حملتني إلى معصية قط] يقول: والله ما حملتني إلا إلى طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه رجل عظيم ولكن ابتلاه الله سبحانه وتعالى بها ولكنه يحتسبها عند الله، وستكون سابقة له عند الله عز وجل، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.

هذا عروة بن الزبير يحدث حديثاً، والحديث صحيح عن خالته عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرتم أنكم تفتنون في قبوركم؟ فارتاع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول ذلك، وقال: إنما تفتن يهود -يقول: الفتنة ما هي للمسلمين، تفتن يهود فقط- قالت: عائشة فلبثنا ليالي بعدها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ بالله كثيراً من عذاب القبر) هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، لقد كان لا يعلم قبل ذلك أنه تفتن الأمة في قبورها، ولكن أوحي إليه بعد ذلك أنه تفتن الأمة في قبورها، فكان يستعيذ بالله من عذاب القبر أعاذنا الله وإياكم من عذاب القبر! والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.