[الوسواس وعلاجه]
السؤال
إني شاب أخاف الله تعالى؛ لكن فِيَّ وسواس عظيم، والله لو أذكره لانهدت الجبال من عظمة ذلك، أرجو من حضرتك -أيها الشيخ- أن ترشدني إلى حاجة تحرزني وتحفظني من هذا الوسواس؟! جزاك الله جنة عرضها السماوات والأرض، وجعل إجابتك على هذا السؤال في موازين حسناتك، والله أعلم.
الجواب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قد شرع الله عز وجل في كتابه وأمر بالاستعاذة من الوسواس فقال عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:١ - ٦] والوسواس داء ومرض يصيب بعض الناس، وسببه الشيطان حين يتملك الإنسان ويستولي عليه ويستحوذ عليه، فيصور له العبادات على أنها غير صحيحة، يتوضأ الإنسان فإذا توضأ أتاه الشيطان، وقال: أنت لم تغسل فمك، ولم تغسل يدك، ولم تمسح رأسك، فيبطل عليه وضوءه، فيقوم فيتوضأ، فإذا توضأ وأكمل جاء إليه مرة أخرى، حتى إن بعضهم ليتوضأ عشر مرات.
وإذا جاء ليصلي وأراد أن يكبر قال هكذا: أأ أأ أأ أحتى تكتمل الركعة ولم يكبر بعد، ثم يقول: الله أكبر.
وإذا كبر جاءه الشيطان وقال: أنت كبَّرت؟! أنت كذاب لم تكبر.
ففسخ الصلاة وعاد: أأ أاللـ اللـ اللـ، فهذا مثل الكرة في يد الشيطان، يلعب عليه إبليس، يفسد عليه عبادته، وطهارته، وتوحيده، من أين جاء هذا التسلط -أيها الإخوان-؟ جاء من ضعف الإنسان.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: كيف تتخلص من هذه الوساوس؟ أن تعامل الشيطان بنقيض قصده، فإذا جاءك الشيطان وأنت قد توضأت وقال لك: ما سميت الله.
قل: لا.
يا خبيث! سميتُ؛ لأنك هل تتصور أن الشيطان يفسد عليك عملاً فاسداً أم عملاً صالحاًَ؟! عملاً صالحاً، فهو يأتيك عندما يرى أن وضوءك سليم ليفسده عليك، فماذا تصنع؟! تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا والله لا أتوضأ، إن وضوئي صحيح، والله لو أنه ليس صحيحاً ما جئتني يا شيطان! لكنك ما جئت وتريد أن تفسده عليَّ إلا لأنه صحيح، إذاً: لستُ معيداً للوضوء.
وإذا جئتَ لتصلي وكبَّرتَ، وجاءك الشيطان وقال لك: أعد التكبير.
قل: لا.
كبَّرتُ؛ لأنك لو لَمْ تكبر لَمَا جاءك الشيطان أصلاًَ ليعلمك، والشيطان لا يعلمك إلا في الصحيح لكي يفسده عليك، أما إذا كان ليس صحيحاً في حياتك فلا يعلمك الشيطان.
إذاً: اعمل بنقيض قصد الشيطان، كلما قال لك شيئاً فقل: لا.
إذا قال: ما قرأتَ الفاتحة، فقل: لا.
بل قرأت الفاتحة، وإذا قال: ما قلت في الركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده، فقل: قلتُها رغماً عنك.
وهكذا إلى أن يعرف الشيطان أنك تمردت عليه، فإذا عرف أنك لا تطيعه والله لا يأتي إليك، يبحث له عن شخص آخر؛ لكن مادام أنك لعبة في يديه فلن يتركك.
قال لك: لم تتوضأ، قلت: نعم والله، لم أتوضأ، سأعود لأتوضأ.
أو يقول: لم تكبر، قلت: نعم لم أكبر، إذاً أعود لأكبِّر.
ثم يأتيك بالشك، ويقول لك: مَن خلق الله؟! وتقول: نعم من خلق الله؟! ما هذا؟! أعوذ بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: مَن خلقك؟ فتقول: الله، فيقول الشيطان: مَن خلق الله؟ -ماذا تقول أنتَ؟! - فقل: آمنتُ بالله، لا إله إلا الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه (قنبلة) تنزل بها على الشيطان.
لكن يأتيك الشيطان فتقول: والله عندي وسواس، ماذا تعني بالوسواس؟! ألِعْبَةٌ أنتَ؟! ألست رجلاً؟! هل الشيطان أقوى منك؟! يقول الله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ} [النساء:٧٦] ماذا؟! {كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:٧٦] لكنك أضعف من الضعيف، عندما يلعب عليك إبليس.
فنقول -يا أخي الكريم-: هذا داخل ضمن دائرة اختصاصك، ولا تتصور أن شخصاً يأتي من الخلاء، ويدخل في قلبك، ويعطيك اليقين! اليقين عندك، هل أنت على شك من دين الله؟! هل أنت على شك من كلام الله، ومن كلام رسول الله؟! هل أنت على شك من يقينك؟! أأنت على شك من أنك عندما توضأت كنت لستَ عاقلاً؟! الآن إذا جئت لتأكل، وأكلت، وشبعت، وأكملت، وجاء الشيطان يوسوس لك ويقول لك: أنت لم تأكل، قم فكل! هل يأتيك ويقول لك هكذا؟! لا؛ لأنه عارفٌ أنك أكلت ولن تزيد.
إذاً: لماذا يوسوس لك في العبادات، ولا يوسوس لك في العادات؟ إلا لإفساد عبادتك.
فأولاً: أدعو الله الذي لا إله إلا هو أن يعيذني وإياك وجميع إخواننا من الشيطان الرجيم.
ثانياً: جاهد نفسك، واستعذ بالله؛ لأن الله يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠] ما هو النزغ؟ قال ابن القيم: إيعاد بالشر، أو تخذيل عن الخير، هذا هو نزغ الشيطان، يوعدك بشر، أو يخذلك عن طاعة وخير.
إذاً ماذا تفعل؟! تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
إذا مشيتَ في الشارع ورأيتَ امرأة متبرجة فاتنة، والشيطان يقول: انظر إليها، ويلف برقبتك يريدك أن تنظر، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مباشرة، فلن تحس بعدها بشيء أبداً.
أي شيء يعرضه عليك الشيطان عامله بنقيض قصده.
إذا كنت في فراشك تريد أن تقوم لتصلي الفجر فإنه يأتي على غاربك، ويركب عليك، ويجعلك تنام؛ لكن قُلْ بعد أن تستوي جالساً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ نسألك يا ألله أن تعيننا وقم؛ لكن بعضهم يستعيذ وهو نائم، فيقول إبليس: اسكت يا كذاب! أتستعيذ وأنت نائم؟! لا ينفع هذا.