[نصيحة للآباء بسرعة تزويج بناتهم وأبنائهم]
السؤال
هنا مشكلة مرسلة من بعض الفتيات، وهي مشكلة خطيرة جداً يقلن فيها: نشتكي إلى الله من مشكلتنا التي نعاني منها، ولا يشعر أحدٌ بمعاناتنا، هذه المشكلة هي مشكلة الزواج، فآباؤنا -سامحهم الله- منعونا من حقنا الشرعي بحججٍ واهية وأعذارٍ غير صحيحة، ويواجهوننا بالرفض؛ إما لسلك الطرق غير الشرعية، أو بقضاء حياة العنوسة التي نعاني منها الأمرَّين، فتذهب حياتنا سدى، وهكذا تصل أعمارنا إلى السن المتقدمة دون أن نتزوج، فنرجو منكم النصيحة لآبائنا، عسى أن تصل إلى آذانهم وقلوبهم؟ وما رأي الإسلام في ذلك؟ أفتونا وجزاكم الله خيراً، ونرجو منكم الدعاء لنا، وتأمين الحاضرين على دعائكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذه -أيها الإخوة- مشكلة ينبغي أن نصغي لها بآذاننا وقلوبنا.
سنة الله غالبة، والذي يريد أن يلغي سنة الله بفكره، فالله غالب على أمره، سنة الله غالبة وهو أن هذه المرأة تبحث عن رجل يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١] آية من آيات الله أن الزوجة والبنت لا تسكن إلا إلى زوج؛ وهذا الزوج هو الذي يلبي احتياجها، من الأمن والطمأنينة والسكن والمودة والرحمة، وإذا حُلتَ بينها -أيها الأب- وبين السكن مع الزوج عذبتها، وأنت لا نشك في أنك تبحث عن سعادتها، ولا نشك في أن أحداً من الآباء يبحث عن شقاء ابنته أبداً، إنه يسارع بها إلى المستشفى إذا مرضت، ويعطيها الغذاء والدواء والكساء والأموال، لكنه أحياناً ينسى الحاجة الرئيسية عندها وهي الزوج، وإذا جاء الزوج الذي يخطب يرفضه، لا.
يا أخي المسلم! إن من مقتضيات عطفك ورحمتك وشفقتك على ابنتك، أن تبحث عن سعادتها، وسعادتها لا تكون إلا في زواجها، ومتى تزوجها؟ عند النضج، والنضج متى يبدأ؟ من بلوغ المرأة سن الحيض، إذا حاضت المرأة فهذا دليل وإشعار على أنها أصبحت قابلة للزواج، والذي يلغي سنة الله في ابنته، وتحيض ابنته في كل شهر وطوال السنين، فقد ورد في بعض الآثار: (إن حيضها يجمع يوم القيامة ويسقى به والدها).
يشرب حيض ابنته؛ لأنه منعها من الزواج، بينما هو في علاقة جنسية ليلية مع أمها أو مع عمتها، لا يصبر عن امرأته أسبوعاً، لو تهرب امرأته عند أهلها أسبوعين لا يأتيه النوم، ويذهب ويدفع الأموال ويطرح الرضا والمصالح من أجل أن يأتي بالمرأة، وابنته محصورة في غرفتها تعاني الأمرَّين، تسمع وترى وتلتهب فيها عوامل الشهوة، ولا تريد البنت الطيبة أن تكسر عرض أبيها، ولا أن تخدش حياء أسرتها، ولا أن تعرض نفسها للذئاب البشرية الفاتكة فتعيش معذبة محرومة من لذة الحياة، بسبب ماذا؟ بسبب طمع والدها؛ إما أن يكون طامعاً في راتبها إذا كانت موظفة، أو يكون طامعاً في نسيبٍ يتخيره هو على نظره، لا يا أخي! إذا أتاك من ترضى دينه وخلقه فزوجه، والحمد لله الساحة اليوم مملوءة بالطيبين، لقد كان الرجل في الماضي إذا أراد أن يزوج ابنته، يقف محتاراً كيف يزوج ابنته لا يجد أحداً، لا يلقى إلا (مخنفسين) و (معربدين) ولا يسوون شيئاً، لا يأمنه الواحد منا على حماره فضلاً على أنه يعطيه ابنته، لكن اليوم والحمد لله المساجد مملوءة، والمجتمعات مملوءة بأصحاب الإيمان، بشباب القرآن بالملتزمين، ولكن الملتزمين لم يجدوا زوجات، أنا أعرف في هذا المسجد ما يقارب ألفي شخص يريدون أن يتزوجوا، لو أقول: ارفعوا أصابعكم لرفعوا أصابعهم، هؤلاء من يزوجهم والبنات يملأن البيوت؟! كل بيت تنظرونه في الصباح تخرج البنات منه صفوفاً يركبن في السيارات وينزلن عند المدارس والكليات مئات وآلاف البنات فهؤلاء لم يتزوجن، والشباب لم يتزوجوا، وبالتالي من الذي يستفيد من هذا؟ الشيطان يستغل هذا الرفض وهذا المنع من أجل أن يكسر الحواجز، ويفتح الطرق والميادين والقنوات الشيطانية عبر الاتصالات الهاتفية، وعبر الرسائل الغرامية، وعبر الخروج إلى الأسواق والمنتزهات، وبعدها قد تتم اللقاءات المحرمة، وتعيش الأمة في فساد لا يعلمه إلا الله، ويتمنى الزوج أو الأب الذي منع ابنته، يتمنى أنه لم يعرف الحياة، يوم يعلم أنَّ ابنته قد زنت، أو قد ذهبت عذارتها، أو قد ضبطت مع رجل في سيارة، أو ضبطت في مكالمة، أو كشف في (شنطتها) رسالة، وأبوها هو السبب في هذا كله.
نقول لإخواننا في الله: اتقوا الله في فلذات أكبادكم، اتقوا الله في بناتكم، زوجوهن إن جاءكم الخاطب الكفء، وإذا لم يأتكم الخاطب الكفء فعليك أن تبحث أنت لابنتك عن زوج، ابحث أنت، فأنت تصلي في المسجد وابنتك لا تصلي في المسجد، ولا تقدر أن تتكلم مع أحد، ولا تعرف من هو الذي يجيء، ولكن أنت تعرف المسجد، فإذا نظرت إلى رجل فيه خير ودين فادعه وقل له: تعال، هل أنت متزوج؟ فإن قال: لا والله، قل له: هل تشتغل؟ فقال: والله ليس عندي وظيفة أنا أدرس، حسناً أنا سوف أزوجك، سوف يقول: الله يجزيك خيراً، الله يبارك فيك، ويقبل رأسك، يقول أحد الإخوان: عندي ثلاث بنات، والله إن أزواجهن عندي مثل عيني، وعندي أولاد والله لا ينفعونني بشيء.
فتبحث عن الزوج وتختاره أنت، وتأتي به إلى البيت وتجعله يرى البنت وتراه، فإذا انتهى الأمر وتيسرت الأمور، فخذ منه عشرة ريالات أو ألف ريال أو مائتي ريال، وتعقد له، وتأتي بكبش أو ذبيحة، وتدعو أباه، ثم تتعشون سوياً، ثم ادفع إليه زوجته، وبعدها اذهب للنوم وعينك آمنة، وظهرك آمن، وقلبك آمن، إن ابنتك أصبحت مع رجل يحميها ويقوم بلوازمها، لكن أن تغلق عليها الباب كل ليلة وأنت تنام مع زوجتك مهما فعلت، إما أن تكسر عرضك، وإما أن تعيش في عذاب، وإذا مت أنت فأول من يخاصمك هذه البنت بين يدي الله، وأذكر أني ذكرت لكم القصة عن تلك البنت التي مرض أبوها في المستشفى، فلما جاءت إليه تزوره مع بقية الأسرة، وعمرها خمس وثلاثون سنة، لم يأتها الخطاب، انتهى، من الذي سوف يأتيها وعمرها خمس وثلاثون سنة؟ الثمرة تقطف في سن النضج، لكنها إذا انتهت واضمحلت، لم يعد أحد يأتي إليها، فلما جاءت قال: سامحيني يا ابنتي! لأنه عرف أنه قد ضرها، قالت: قل: يا الله، قال: يا الله، قالت: ثم قل: يا الله، قال: يا الله، ثم قل: يا الله، قال: يا الله، قالت: إن الله يلهب عظامك، وإن الله لا يسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال: قولي: لا إله إلا الله، قالت: لا إله إلا الله، قتلك الله، الآن عمري خمسة وثلاثون سنة ولو أنك زوجتني وعمري عشرون سنة لكان معي ولد كبير عمره الآن خمس عشرة سنة يقوم بي يوم أن تموت أنت الآن، لكن الآن سوف تموت أنت وأخواتي تزوجن إن أتيت عندهن أتيت خادمة لأزواجهن، وإخواني تزوجوا، إن جئت عندهم ضاقوا مني، وإن قعدت لوحدي ضقت من الحياة، وإن أردت الزواج فلا أحد يتزوجني الآن.
فزوج ابنتك يا أخي! إذا بلغت خمسة عشر عاماً زوجها أو ستة عشر أو سبعة عشر، بعضهم يقول: أنا أريد أن تكمل تعليمها، فلتكمل تعليمها من يمنعها؟ التعليم لا يمنعه الزواج، بل الزواج أعظم مؤيد للتعليم، زوج ولدك وابنتك، فنحن بحاجة إلى البشر -يا إخواني- بلادنا بلادٌ طيبة وخيراتها كثيرة، بلادنا واسعة وفيها خير، يشبع فيها جميع شعوب الأرض، ونحن قاعدون لا نزوج بناتنا ولا أولادنا، لا يا إخواني! تكاثروا تناسلوا، وبعدها لا تعقدوا أمور الزواج، اتقوا الله! إن الرجل الحر الشهم المؤمن لا تنام عينه، ولا يستقر قلبه إلا إذا عرف أن ابنته أصبحت عند رجل يحميها ويقوم بلوازمها، أما أن تقوم بربط بناتك وتجعلهن مربوطات وحبيسات في البيت، فإنك بهذا تقترف أعظم مصيبة وجريمة في حقهن وفي حق مجتمعك، وفي حق دينك ونفسك، وسوف تعض أصابع الندم يوم القيامة إذا وقفت بين يدي الله وقد خنت هذه الأمانة.
أما الدعاء: فأدعو الله لهؤلاء البنات أن يرزقهن الصبر، وأنا أوصيهن بالصبر، فالبنت والشاب إذا لم يتيسر لهما الزواج فليس هناك فرصة للحرام؛ لأن الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣].
فنحن نقول للبنات: إذا لم يرض الآباء أن يزوجوهن استعففن واصبرن، فإن صبركن على عدم الزواج أخف من النار، وأخف من عذاب الله.
وأيضاً الشباب نقول لهم: اصبروا وسيجعل الله للصابرين فرجاً إن شاء الله.