للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمار غض البصر في الدنيا]

في الدنيا هل يوجد شيء؟ نعم.

يوجد شيء الآن قبل الآخرة، جميع ثمار ونتائج الدين لا تنتظرك في الآخرة فقط، بل هي مقدمة في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:١٣٤] من أراد الدنيا فعليه بالدين، ومن أراد الآخرة فعليه بالدين، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالدين، ومن ضيع الدين ضيع الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} [الشورى:٢٢] ويقول: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى:٤٤ - ٤٥].

عليك بالدين، والدين يرتب لك جميع أنواع السعادة في الدنيا والآخرة، ولو تصورت -بوحي من الشيطان- أنه يحرمك من الأغاني يحرمك من الأغاني لكن أبدلك الله بالقرآن الكريم، يحرمك من النظر إلى النساء، لكن الله أبدلك بالنظر إلى زوجتك الحلال.

وفي الدنيا إذا غضضت بصرك فإن الله يفتح بصيرتك، والبصيرة نورٌ يقذفه الله عز وجل في قلب من شاء من عباده: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] والذين لا ينظرون بنور الله، ولا يبصرون طريق الله، فالله أعمى بصيرتهم لما أطلقوا أبصارهم فيما حرم الله، كيف يفتح الله بصيرته وهو ينظر في الحرام؟ لكن غُض بصرك ليفتح الله بصيرتك، وقد جاء في الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله بإيمانٍ يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) فهذا معنى البصيرة: أن تعرف مصلحتك، وما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة، فتسير في الطريق الصحيح؛ لكنك إذا أطلقت بصرك في الحرام طمس الله بصيرتك، وحصل لك عمى، حصل لك عدم معرفة لمصالحك، ولا حتى تعرف مصلحة نفسك.

الذين يدورون بفلك الشيطان، ويسيرون في ركاب الشيطان، والشيطان يركب عليهم ويستعملهم في طرق الضلال، هؤلاء يقول الله فيهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٩] نسي الله فأنساه الله مصلحة نفسه، فدمرها وأهلكها، وعرَّضها للعذاب في الدنيا والآخرة، ولو ذكر الله لذكره الله بمصالح نفسه، ولعرف مصالحها في الدنيا والآخرة: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] من غض بصره فتح الله بصيرته.

هذا أولاً.

ثانياً: أوجد الله عز وجل في قلبه محبة لزوجته إذا كان متزوجاً، وإذا كان غير متزوج فحتى يتزوج، فإذا حفظت بصرك وعندك زوجة فإنك تراها من أعظم النساء، لماذا؟ لأنك لا ترى غيرها، ولذا جاء في الحديث: (إذا رأى الرجل منكم ما يعجبه في امرأة فليأتِ أهله، فإن معها الذي معها).

فأنت حين تغض بصرك عن الحرام تدخل بيتك فترى زوجتك ملكة جمال، لكن لما تنظر في الأسواق وترى الموديلات والأشكال والألوان، والطول والعرض والجمال، وتدخل على امرأتك: هل تتصور أن تكون زوجتك فيها جميع جوانب الجمال الذي في السوق؟ فعندما تراها تنظر في عيونها وإذا عيونها ليست مثل عيون تلك، وإذا طولها ليس مثل طول تلك التي كأنها غصن، وإذا بعرضها ليس بمثل عرض تلك التي هي رشيقة الجمال فتكرهها، فإذا كرهتها كرهتك، وإذا كرهتك بحثت عن غيرك كما بحثت عن غيرها، وتسوء العشرة، ويتحطم كيان الأسرة، ويتشرد الأولاد، وتفسد الحياة، وتصبح الحياة حياة بهيمية بأسباب عدم غض البصر.

لكن يوم أن تغض بصرك تدخل عليها فتتلفت فيها وتقول: ما هذا الجمال؟! ما هذه العظمة! لأنك لا ترى غيرها، تظن أن ليس في الدنيا إلا هذه المرأة، ووجود العشرة والرابطة بين الزوج والزوجة هدف وغرض من أغراض الدين؛ لأنه إذا تفاهمت الأسرة وعاشت في وئامٍ وانسجامٍ وحبٍ وتفاهمٍ انعكست الآثار على الأفراد، وانعكست بالتالي على المجتمع والدولة كلها، وأصبحت الأمة كلها كأصابع الكف متماسكة قوية لكن يوم أن تتحطم الأسرة يتحطم المجتمع، وإذا تحطم المجتمع تحطمت البلاد، وساءت الأخلاق، وتحللت الروابط، وانقسمت القلوب، وحصل الفساد والطرد والغضب واللعنة من الله تبارك وتعالى.

كيف تستطيع أن تحب زوجتك إذا لم تغض بصرك؟ يقول الناظم:

إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمانِ

إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوضٍ ولا أثمانِ

لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان بالنساك مثل بنان

المصلحة الأولى: أطلق الله بصيرتك وفتح قلبك، ثانياً: أوجد الحب والألفة بينك وبين وزوجتك.