إن الذي يعلم ولا يعمل ضرب الله له مثلاً من أسوأ الأمثلة، مثل الذي قبله، قال الله عز وجل -والحكاية عن اليهود؛ ولكنها تعم كل من سار على شاكلتهم-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}[الجمعة:٥] الذي عنده علم ولا يعمل به مثله في كتاب الله كمثل حمار حَمَّلْتَه أسفار العلم، حَمَّلْتَه فتح الباري، وصحيح البخاري، وتفسير ابن كثير، وتنتقل من مكان إلى مكان، وتعال عنده واسأله: ماذا قال البخاري يا حمار! ماذا يقول لك؟! يقول: هات عَلَفاً -بلسان حاله- يقول: عندك علف ائت به، فلا يهمه إلا العلف، فلا يعرف ما الذي فوق ظهره.
فهذا الذي عنده علم لكنه لم يعمل به، ما الفرق بينه وبين هذا الحمار؟! لا شيء، ولذا فإن هذا مثل واضح {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة:٥] وهذا التذييل في الآية مناسب لمعناها، فإن هذا الظالم لنفسه الذي حمل العلم ولم يعمل به جعل بهذا الظلم عَقَبَة وسداً بينه وبين الهداية، فلا يهديه الله، كيف يهديه الله وقد أصبح العلم عنده؟!
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ
العلم معه؛ لكنه ليس مستعداً أن يعمل به، إذاً كيف يهديه الله؟! ما دام أنه هو نفسه رافض أن يهتدي، وهذه مصيبة المصائب.