كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها، وحتى تعود أرض العرب جناتٍ وأنهاراً) وعودتها مروجاً وأنهاراً إما بسبب ما يقوم به أهلها من حفر الآبار، وزراعة الأراضي، مما هو حادث الآن في زماننا، إذا ذهبت إلى الصحاري القاحلة التي لا عيش فيها ولا حياة تجدها أصبحت مروجاً خضراء، فقد حفر الناس الآبار، وأخرجت الأرض خيراتها من الماء، ثم استغلت هذه المياه بشكل علمي منظم حديث وزرعت هذه الأماكن حتى حصل الاكتفاء الذاتي والحمد لله وحصل التصدير للعالم، وهذا ما كان يتوقع أبداً، وكان الخبراء يراهنون على أن هذا غير ممكن، فكيف بأرض صحراوية يموت الناس على ظهرها عطشاً تصدر الحبوب؟ لكن هذا من فضل الله ورحمته وبركته.
وإما بسبب آخر وهو الذي يرجحه العلماء: وهو أن الأرض عبر آلاف السنين يحصل تغير في مناخها، ويتحول مناخ المناطق الحارة إلى مناخ المناطق الباردة، وبالعكس مناطق باردة تصير صحاري بفعل الشموس والقحط وانحباس الأمطار.
وأن جزيرة العرب كانت في يوم من الأيام مروجاً وبساتين وأنهاراً، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن وسيمر أزمان وتعود كما كانت، وهذا التفسير هو الذي يتفق مع نص الحديث فإن الحديث يقول:(ولا تقوم الساعة حتى تعود) ولم يقل حتى تصير أو تكون، كأنها كانت في وضع وستعود إليه، فهذه العودة ستكون في آخر الزمان مروجاً وأنهاراً، حيث تصبح سهولها الجرداء سهولاً خضراء فيحاء، وهذا هو الأظهر الذي يتفق مع نص الحديث.
وراوي الحديث صحابي جليل، وهو أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، عبد الرحمن بن صخر الدوسي، حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديث، رغم قصر مدة إقامته مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم في السنة السابعة، وما جلس مع الرسول إلا زهاء الأربع سنوات أو تقل، وبالرغم من هذا كان يلازمه وما كان يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي قد دعا له بالحفظ، فلا يسمع شيئاً من رسول الله إلا حفظه، وأخبر صلى الله عليه وسلم:(أنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق) فلا يحب أبا هريرة وأمه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.
يقول أبو هريرة في الحديث الصحيح:(خرجت من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أتلوى من الجوع وقد مرت بي ليالٍ ما ذقت طعم الطعام، يقول: فجلست أتعرض للصحابة أسألهم عن آيةٍ في كتاب الله، يقول: والله إنني أعرفها، لكني أسأل لعله يقول: تعال معي، يقول: فمر أبو بكر فسألته فأجابني وذهب ولم يدعني إلى بيته، يقول: ثم سألت عمر فأجابني وذهب ولم يدعني إلى بيته، يقول: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فأجابني وقال: اتبعني يا أبا هريرة) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وتدرون ما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذاك اليوم؟ والله ما فيه حبة تمر، من منّا ما في بيته طعام الآن، كانت تمر ثلاثة أهلة لا يوقد في بيت آل محمد النار، قال عبد الله بن الزبير لـ عائشة:[يا أماه! وماذا كنتم تأكلون؟ قالت: ما كان لنا من طعام إلا الأسودان التمر والماء] يعني رديء التمر الأسود والماء.
وهل اليوم يمر على بيت أحدنا ولا يوقد فيه النار؟ لا والله، بل نيران تضرم، فإذا دخلت المطبخ كأنك في معركة مع الصحون والقدور والمواقد ولا إله إلا الله! كل ذلك من أجل البطن، لا إله إلا الله! (قال: فتبعته، فلما دخل بحث في بيته فما وجد شيئاً، يقول: وإذا بهديةٍ تهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجيران قعب فيه قليل من اللبن، يقول: فقلت: الحمد لله، سأشرب أنا وإياه وسيكون لي نصيب منه، قال: يا أبا هريرة! قلت: نعم، قال: ائتني بأهل الصفة -وأهل الصفة سبعين رجلاً وماذا يكفيهم هذا؟ - يقول: فذهبت وأتيت بهم).
وأهل الصفة هم فقراء المؤمنين الذين هاجروا إلى المدينة وليس لهم أهل ولا معهم شيء، فهم جالسون في المسجد (قال: فدعوتهم فجاءوا، فلما دخلوا المسجد قال: اسقهم، قلت: في نفسي وما أصيب من هذا؟ يقول: لو أني كنت الأول لشربت، لكن أنا الذي أسقيهم -والذي يسقي لابد أن يكون آخر شخص يشرب- يقول: فأعطيت الأول والثاني والثالث والرابع حتى أكملوا، يقول: والله ما نقص منه شيء) فقلت: (بقيت أنت يا رسول الله! وأنا، قال: اشرب، قال: فشربت، قال: اشرب، قال: فشربت، قال: اشرب قلت: والله ما أجد له مسلكاً يا رسول الله! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا أبو هريرة رضي الله عنه -والذي سبه البعض من المنحرفين عن عقيدة السلف- يقول:(لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد من يقبلها، وحتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً).