للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمن والطمأنينة من ثمار الإيمان]

الله عز وجل يزرع في قلوب المؤمنين الأمن والطمأنينة، وينزع من قلوب المؤمنين القلق والحيرة والاضطراب والضلال، والله لو لم يكن في الدين إلا هذه لكانت كافية أنك تعيش آمناً مطمئناً عندك مؤهلات النجاة يوم القيامة، ترضي الله وتعمل له، هذه تولد في قلبك الأمن، لكن إذا لم يوجد لديك انقياد ولا استجابة ولا استسلام لله فأنت كما قال الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر:٢٩] عبد مملوك وأسياده عشرة، والأسياد هؤلاء ليسوا متفقين بل متشاكسين، الواحد يقول: قم، والآخر: لا.

اقعد، قال ذاك: نم، قال الآخر: قم، وقال ذاك: أحضر ماء، وقال الآخر: لا تحضر ماء أحضر أكلاً، قال ذاك: اخرج، قال: بل اقعد، فما رأيك من يطيع هذا؟ وما رأيكم بهذا العبد هل هو مستريح أم غير مستريح؟ فيه شركاء متشاكسون، قال الله: {وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} [الزمر:٢٩] عبد لشخص يتلقى التوجيه من واحد، هذا المثل ضربه الله للذي هو عبد لله، والذي هو عبد لغير الله.

فالذي هو عبد لله مستريح؛ لأنه يتلقى الأمر من الله، ولا توجد أوامر متضادة، أما الذي هو عبد لغير الله؛ فتتسلط عليه الأبالسة من كل جانب وتشتته؛ فتأمره بكل شيء، ولا يرضى عليه الله في شيء من هذه التصرفات؛ فيحصل له مثلما حصل للعبد الذي فيه شركاء متشاكسون، قلق وتبرم، ولذا تلمسون الآن ما تخترعه البشرية من منومات، أو مغالطات من أجل نقلهم من الواقع المرير، إذا اشترى الواحد الجريدة، أول ما يقرأ يقرأ الصفحة الضاحكة، لماذا؟ قال: أريد أن أضحك، من ماذا يضحك؟ يضحك من مرضه وضيق صدره، وإذا اشترى جريدة يرى آخر صفحة: نكتة اليوم، وإذا ضحك لا يضحك تبسماً، بل يضحك قهقة تسمعه على بعد مائة متر، كأنما في قلبه بركان انفجر من الضيق الداخلي، ومن ثم يريد باستمرار اللهو، إذا أعطيته كتاباً مفيداً أول ما يفتحه يقلبه، ليرى الصور، إن كان فيه صوراً حسناً، وإن كان كله كلام، قال: ما هذا الكتاب الله يهديك، من يقرأ الكلام هذا كله، أعطنا كتاباً جيداً ومجلة يوجد فيها شيء يلهي ويغري، من أين جاء هذا الكلام؟ من الضيق الداخلي والعذاب النفسي.

ومن ثم يقضي نهاره كله في اللهو، ويقضي ليله كله في المسارح، وألعاب (السيرك) إذا لم يوجد مسارح ولا ألعاب (سيرك) فيذهب ليشتري (أفلاماً) ويرى (فيلماً) بعد (فيلم) إلى أن ينام، يغطي نفسه ويقبرها ويدفنها، لا يريد أن يعيش على الواقع، وإذا جاء شخص يقول: يا أخي! اتق الله قال: اتركنا.

أنت تريد أن تميتنا قبل أن نموت، دعنا نلعب ونسهر، هات (الورق) و (البلوت) و (صن) (ودن) واضرب الأرض تراه رجلاً كبيراً، فتقول: مدير، وإذا به يخبط في الأرض، بعضهم تتكسر يديه وهو يخبط الأرض، على ماذا يخبط؟ يخبط على ورق (البلوت) -الله المستعان- ويجلسون من بعد المغرب إلى الفجر.

شخص سألته قلت له: لماذا -يا أخي- تسهر؟ قال: يا شيخ! نتسلى ليس عندنا عمل، أين نذهب؟ تريدنا أن نذهب في الغيبة والنميمة، قلت: تشرد من الغيبة والنميمة وتذهب في أخس منها، هل تحفظ شيئاً من كلام الله؟ قال: لا، قلت: هل تحفظ شيئاً من سنة رسول الله؟ قال: لا.

قلت: تعرف قول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:١ - ٣] ما هو الغاسق إذا وقب؟ قال: لا أعلم، أجهل من ثور أهله بالدين ويلعب (بلوت)، لماذا يغالط نفسه ويقضي سحابة ليله ونهاره في الألعاب والملهيات، هذه كلها نتيجة الضيق الداخلي، أما من عنده نور، وأضاءت الأنوار على هذه الحياة، فرأى الدنيا والآخرة، فهل يلعب؟ لا.

بل يعيش بجسده في الأرض وروحه في السماء، لا يقر له قرار في هذه الدار، ولا تنسيه جميع ملهياتها ولا ملذاتها عن الآخرة، يسكن في القصر ويتقلب على السرير وقلبه مع القبر، قلبه يقول: إذا وضعوني في الحفرة المظلمة، من أمامي تراب، ومن خلفي تراب، وتحت رأسي تراب، وقد أموت في ليلة باردة، وقد أوضع في ليلة مظلمة، وأوسد التراب، وتصفُ عليَّ الحجارة، ويكال عليّ التراب، ويذهب الناس عني، أين أنا في تلك الساعات؟ أين أنا في تلك اللحظات؟ والله لا أعمل إلا لذلك اليوم، أما الدنيا هذه كلها زائلة.