[الضرورة الأولى: الهواء]
الهواء يحيط بالإنسان من كل جانب، ويسير معه في كل مكان، تدخل المسجد تجد الهواء أمامك، تركب السيارة تجد الهواء في انتظارك، تخرج إلى الشارع تجد الهواء يلامسك، تركب في الطائرة تجد الهواء معك، تدخل في غرفة النوم كذلك هو معك، وتدخل دورة المياه والهواء معك، أينما دخلت والهواء يحيط بك من كل جانب، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تعيش بغير الهواء، فجعل الله الهواء معك في كل مكان، ولو أنه انحبس عنك لحظة واحدة لمت! بينما هذا الهواء تحصل عليه بالمجان.
هل سمعتم أحداً يقول: أعطني كيلو هواء؟ ما ظنكم لو أن الهواء الذي يعيش الناس عليه يشترى بمال، لو حصل هذا لمات أكثر البشر الذين ليس لديهم مال، أو كان من معه هواء يحمله في قربة أو برميل فوق ظهره، وما عمله إلا مراقبة العيار متى ينتهي الهواء، لكن الله جعل الذي هو أغلى شيء في الوجود مجاناً، وهذه نعمة من الله عز وجل، وما سمعنا إنساناً يبيع الهواء أو يشتري الهواء، طبعاً لا تحتجون عليّ بهواء الإطارات الذي عند البنشر، فتقولون لي: نشتري هواء ونعبأه بثمن، لا.
حتى هواء الإطارات مجاناً، فأنت عندما تقف عند صاحب بنشر، فتعاير الهواء وتزيد وتنقص لا تعطيه إلا ريالاً، وإذا أعطيته ريالاً قال لك: استحِ على وجهك، هذا هواء كيف نبيع الهواء؟ وأذكر مرة من المرات في بداية حياتي أني اشتريت سيارة، وما كنت أعرف شيئاً عن السيارات، كنت أعرف فقط أقود، وفي يوم من الأيام حصل في سقف السيارة أن انحلت بعض (الصواميل) وما رأيتها؛ لأنها مغطاة من الداخل باللباس، فاشتكيت إلى أحد السائقين القدامى، فقلت له: يا أخي! عندي قعقعة في سقف السيارة ولا أدري ما سببها؟ فقال لي: هل غيرت الهواء؟ قلت: هواء ماذا؟ قال: هواء الإطارات.
قلت: لا والله ما غيرته.
قال: من متى لم تغيره؟ قلت: السيارة معي منذ سنة.
قال: قل: لا إله إلا الله! سنة كاملة وما غيرت الهواء!! والزيت كذلك ما غيرته؟ قلت: لا.
الزيت كل (٢٠٠٠كم) أغيره.
قال: جيد، الحمد لله تداركتها، لكن لا بد لك من تغيير الهواء.
يقولون: إن الهواء يخزن داخل الإطار، وعندما يدور الإطار باستمرار يفسد الهواء، فيحصل قعقعة في السيارة، فأخذت كلام الرجل على محمله، وذهبت إلى صاحب البنشر وأوقفت سيارتي وقلت له: غيَّر الهواء؟ فنظر الرجل إلي نظرة استغراب وقال: ماذا بك؟ قلت: غيَّر الهواء.
قال: هواء ماذا؟ قلت: هواء الإطارات.
قال: أنت مجنون أم عاقل؟! قلت: أنت المجنون، غيّر الهواء فقط، فتركني وأدبر عني، وأنا من بالغ الاعتداد بنفسي ذهبت إلى الإطارات وفككت الإبر وفرغت الهواء كله على الأرض، وبعد ذلك أتيت (باللي) وعبأت الهواء وأرجعت الإبر وسلمته النقود، أعطيته ريالاً، فأخذه؛ لأنه قال: مجنون، نأخذ الريال من مجنون ولا نتركه له.
وبعد ذلك مشيت بالسيارة في أول تجربة وإذا بالقعقعة هي هي، فذهبت إلى الرجل، فقلت: يا أخيّ غيرت الهواء وما ذهبت القعقعة، قال: وغيرته!! قلت: نعم.
فجلس يضحك عليّ ويضحك معه من حوله.
الشاهد في الموضوع أن الهواء أغلى ما في الوجود، ومع هذا لا يباع ولا يشترى وإنما هو مجاناً، ولو كان الهواء يباع لمات كثير من البشر؛ لأن على الهواء مدار حياة البشر، ولا يستطيع البشر أن يستغنوا عنه لحظة واحدة، فجعله الله مجاناً، وجعله في كل مكان وفوق كل أرض، وتحت كل سماء، وفي أي مكان في الدنيا لا تدخل إلا والهواء معك يحيط بك من كل جانب، هذه ضرورة واحدة.