للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العقل]

الجزء الرابع من الأجزاء: العقل.

والعقل يقول العلماء: إنه مستشار ثانٍ للقلب، لكن مقاييس العقل غير مقاييس النفس، استشارة النفس منطلقها الشهوات والمتع والملذات، أما العقل فلا، استشاراته تنطلق من المصالح المفاسد النتائج الآثار فالعقل يفكر! فإذا قالت النفس فكرة للقلب، فإن كانت قوية أثرت في القلب، والقلب مريض لا يستطيع أن يحمل هذه الفكرة ويردها فيأتي العقل ليقول: لا هذا خطأً، فتقول له النفس: هذا ليس خطأً، فيطيع الإنسان نفسه.

وأضرب لكم على هذا أمثلة: شرب الدخان، فالذي يدخن أليس في قرارة نفسه قناعة أن الدخان مضر، وهل يوجد شخص في الدنيا يدخن وهو لا يعرف أنه ضار؟ لا.

الجميع يعرف أنه ضار، ويقرأ على علبة الدخان (التدخين يضر بصحتك) جميع الشركات المصنعة في العالم تصنع مصنوعاتها وتكتب عليها دعاية لها إلا الدخان، فإن شركاته تصنعه وتكتب عليه دعاية ضده، وأيضاً فإن جميع المأكولات والمشروبات في الدنيا إذا صنعت كتب عليها تاريخ صلاحية بداية ونهاية، إلا الدخان من يوم صنعوه كتبوا عليه أنه يضرك من ذاك اليوم.

إذاً لماذا الإنسان يدخن؟ يفكر في عقله يقول: الدخان والله ضار، الدخان يسبب لك مرضاً، الدخان يتلف مالك، فيأتي القلب يريد أن يطيع العقل، فتقول النفس: دعك من هذا الكلام، الناس كلهم يدخنون، لو أنه حرام لم تسمح الدولة بدخوله، فيقول القلب: صدقتِ، لماذا يلغي عقله؟ لأن نفسه أمارة بالسوء.

متى يكون للعقل هيمنة؟ قالوا: لا يكون للعقل هيمنة إلا في ظل سلامة القلب وضعف النفس -أي: صلاح النفس- فيأتي العقل ليقول: هذا حلال نواصل فيه، وهذا حرام نبعده، لكن إذا قال: هذا حرام قالت النفس: لا.

ليس حراماً، الله غفور رحيم.

أيضاً من الأمثلة: الزنا جريمة موبقة، وكل إنسان يعرف أنها حرام، فيأتي القلب ليستشير النفس في الزنا، فتقول: فرصة لا تفوتك، ويشاور العقل فيقول: احذر! هذه جريمة، إذا ضُبطت تفصل من وظيفتك، ويسقط اعتبارك، وتصبح من أهل السوابق، تسجن ويجلد ظهرك بالسوط، احذر! وأتى إلى النفس، قال: يقول العقل كذا وكذا وكذا، قالت: هذا إذا ضبطوك لكن من يضبطك كن رجلاً حذراً، لا أحد يراك، قال القلب للعقل: النفس تقول كذا، قال العقل: وإذا لم تضبط في الدنيا، سيضبطك الله في الآخرة، فالله عز وجل يراك، قال عند النفس: يقول العقل: كذا، قالت: الله غفور رحيم، تب بعدها، الناس كلهم يتوبون: (ولو لم تذنبوا فتستغفروا) وتأتيك بالأدلة، فيقع الإنسان في الجريمة بسبب قوة النفس وضعف القلب، والضعيف لا يصنع شيئاً، صحيح أن القلب ملك الجوارح، لكن إذا كان ملك الجوارح مريضاً، كما لو كنت رب أسرة وأنت مريض، هل تستطيع أن تسيطر على أولادك؟ فالولد الذي يأتي الساعة الثانية عشر وأنت مريض لا تقدر أن تتحرك من فوق السرير ماذا تفعل به؟ تتوعده إلى أن تتعاف من المرض، وإذا لم تتعاف فلن تستطيع أن تعمل شيئاً، والمرأة تخرج بغير إذنك، فتقول: أنا مريض الآن ما عليكِ، انتظري حتى أتعافى والله لأكسرنَّ ظهركِ، لكن هل تستطيع أن تكسر ظهرها وأنت مريض؟ لا.

فلو قمت تضربها ضربتك، والولد إذا كنت مريضاً وتقوم لتمسكه أزاحك عن الباب وتركك.

فالقلب إذا كان مريضاً فإن الأعضاء تتمرد، فالعين تنظر ولا تبالي بالقلب، والأذن تسمع ولا تبالي بالقلب، والنفس تأمر بالسوء ولا تبالي بالقلب، وكل الجوارح تتمرد، لماذا؟ لأن هذا القلب مريض.