[آثار التقوى]
تقوى الله عز وجل -أيها الإخوة- هي جماع كل شيء، وهي في السر كما هي في العلن، ولها تأثير على قلوب الناس؛ لأن من أضمر التقوى وأظهرها وعمل بها؛ قذف الله له النور في الأرض، وألقى الله له الحب والقبول في الأرض.
وما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها سراً أو علانية.
وما من شيء تخفيه إلا والله يظهره، يقول أبو الدرداء: [ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، قيل: كيف؟ قال: يخلو بالمعاصي فيلقي الله له البغض في قلوب الناس] فانتبه من معاصي الخلوة، فإنها مصيبة تنعكس مباشرة على الناس فيعرفونها فيك، ويقول الرسول عليه السلاة والسلام كما في حديث ثوبان والحديث في مسند أحمد، قال: (يؤتى برجال يوم القيامة معهم حسنات كأمثال جبال تهامة، فيقول الله لها: كوني هباءً.
قالوا: لم يا رسول الله؟! قال: كانوا إذا خلوا بالله بارزوه بالعظائم) أي: هذه مصيبتهم أنهم يصلون ويصومون، ولكنهم إذا انفردوا ووقع بينهم وبين الناس حجاب، فإنهم لا يذكرون أن الله يراهم.
أما المؤمن التقي لو كان في البحر وليس معه أحد فلا يمكن أن يقع في معصية الله؛ لأنه يستشعر مخافة الله، ويضع مراقبة الله بين عينيه! هذه هي التقوى، وإذا عمل الإنسان هذا ألقى الله عز وجل له القبول والحب.
يقول أحد السلف: [إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله، ثم يجيء إلى إخوانه فيعرفون أثر ذلك] وهذا من أعظم الأدلة على وجود البارئ تبارك وتعالى، وقال أحد السلف: [إني لأعصي الله فأرى ذلك في سلوك زوجتي وخلق دابتي] يقول: الدابة والمرأة تعصيني، لماذا؟ لأني عصيت الله، لكن إذا لم تعصِ الله فإنك تجد كل شيء طيب، حتى ضرار الأسد في الغيران، كما يقول:
خافوا الإله فخافهم كل الورى حتى ضرار الأسد في الغيران
كان صلة بن أشيم العدوي رضي الله عنه من خيار المتقين، فهو شهيد وأبوه شهيد، كان يصلي في الليل في الغابات؛ وكان يقاتل في النهار وفي الليل يصلي، وفي ليلة من الليالي جاء يصلي فجاء أسد فشم الأسد رائحة الرجل وقرر أن يفترسه، فاقترب منه فكان يحطم الأشجار حتى وقف عنده، فما استطاع أن يتحرك أو يتقدم، فانتهى من الصلاة ونظر إلى الأسد وقال: أيها الكلب امض لما أمرك الله به، لا تشغلنا عن صلاتنا، ثم رجع وكبر، فقام الأسد يلوي ذيله ويزأر زئيراً يحطم الجبال، وتركه وذهب.
ولكن بعض الناس عندما يصلي وينظر بعوضة، يرميها بيده ولا يستطيع أن يترك البعوضة، فكيف بهذا الذي ما أشغله أسد أتاه ثائراً.
يقول هذا الرجل: [إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في سلوك زوجتي، وخلق دابتي].
ومن أغرب وأعجب ما روي: عن أبي جعفر السائح، قال: كان حبيب أبو محمد تاجراً، فمر ذات يوم بصبيان وهم يلعبون، فقال بعضهم: جاء آكل الربا -تاجر صيرفي، فمر على أطفال صغار وهم يعرفونه لكن أحدهم نظر بنور الله فقال: هذا يأكل الربا- قال: فرجعت وقلت: يا رب! أفشيت سري إلى الصبيان، فرجع هذا الرجل يبكي وقال: سري الذي لا يعرف به أحد أفشيته حتى عرفه الأطفال! كيف عرفوا أني أرابي؟!! ثم جمع ماله وقال: يا رب! إني أسير وإني أفتدي وأشتري نفسي منك بهذا المال، فأعتقني يا مولاي، ثم أصبح وتصدق بالمال الذي عنده كله، ثم مر في اليوم الثاني على الصبيان وهم يلعبون، فلما رآهم قال أحد الصبيان: اسكتوا.
جاء العابد، فبكى وقال: يا رب! أنت تذم مرة وتحمد مرة وكل ذلك عندك.
فيا أخي! عليك أن تراقب الله حتى يمدحك الله، وإياك أن تراقب الناس وتبارز الله بالمعاصي، وتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله، فإذا ذمك الله فلا ينفعك مدح العالمين، وإذا مدحك الله فلا يضرك ذم العالمين، فإن الحياة والموت، والضر والنفع، والإعطاء والمنع، والخفض والرفع بيد الله، والناس لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياةً، ولا بعثاً ولا نشوراً، بل كل شيء بيد الله، فراقب الله واتق الله حيثما كنت، أقولها بدءاً وختاماً، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا تقواه.
اللهم ارزقنا تقواك واجعل تقواك بين أعيننا يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وأشكر باسمكم جميعاً مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة جدة، وفي مقدمة العاملين به فضيلة أخي الشيخ الداعية علي الحكمي على هذه الجهود المباركة المشكورة التي يبذلونها في سبيل دعوة المسلمين، والتي من أبرزها تنظيم هذا البرنامج الشتوي الطيب المناسب الذي غطى كامل الليالي، واستمتع به المؤمنون الذين جاءوا إلى جدة من أجل أن يقضوا فترة الشتاء في هذا الجو الدافئ، فيجدوا هذا البرنامج الإيماني الذي يشغل أوقاتهم في محاضرات ليلية، ولقاءات إيمانية بالعلماء والدعاة والمشايخ، وأيضاً لذلك المكان الطيب الذي عملوه على شاطئ البحر؛ ذلك المخيم الإسلامي الذي أقامه مركز الدعوة بإذن من المسئولين على ذلك العمل.
وهذا المكان يلتقي فيه الشباب المؤمن من أجل المذاكرة والمدارسة واللقاءات الإيمانية، فأنا أشكرهم على هذا، وأدعو إخواني الشباب أن يشجعوا هذا اللقاء وهذا المخيم، وأن يأتوا إليه ويقضوا أوقاتهم فيه من بعد صلاة العصر أو المغرب أو العشاء، ففيه يلتقي أهل الإيمان في رياض الإيمان مع العلماء والدعاة في حلقات ولقاءات إيمانية، أرجو الله أن يبارك في هذا العمل.
وأيضاً ألفت أنظاركم في كل وقت ومناسبة وحين إلى ضرورة دعم مشروع الزواج الخيري في مدينة جدة؛ لأن هذا المشروع الدعم فيه ليس مرة واحدة، بل الدعم متواصل في كل مناسبة ووقت، وإذا مررت بصندوق أدخل ريالاً، ليكون لك بهذا الريال لبنة في بناء أسرة تعيش على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا المشروع يشترط فيمن يدفع له إعانة الزواج أن يكون من الصالحين ليبني أسرة ويلتصق بامرأة مؤمنة، وينجب منها أولاداً صالحين، فتنشأ الخلايا الإيمانية في المجتمع، فأحثكم على التبرع، كما أحثكم على التبرع أيضاً لإخوانكم المجاهدين الأفغان، الذين ينتظرون دعمكم في كل وقت وحين، وبالأبواب صناديق لهيئة التبرعات، سواء من جمعية رعاية المتزوجين، أو من جمعية إغاثة المجاهدين الأفغان.
أسأل الله أن يعينني وإياكم، ولا نبالي بالقليل ولو أنفقتم ريالاً أو خمسة أو عشرة ريالات: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩].
وإلى بعض الأسئلة باختصار؛ لأن الوقت قد ضاق عليكم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.