للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منع إجابة الدعوة]

حادي عشر: منع إجابة الدعوة.

وذلك لأن الاتصال بينه وبين الله مقطوع، والدعاء معراج تعرج عليه الحاجات من العباد إلى الله عز وجل، وأنت ليس معك إلا مولاك وخالقك؛ لأنك تعبده وتلجأ إليه، يقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة:١٨٦] أي: أول شيء قبل أن أستجيب لهم يجب أن يستجيبوا لي في ديني، يستجيبوا لي في أمري، يستجيبوا لي في نهيي، يستجيبوا لي في طاعتي، يستجيبوا لي بترك معصيتي: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] فإذا حصل لهم الرشاد فإني قريب.

تذكر كتب العلم قصة لصحابي جليل هاجر من مكة إلى المدينة، وفي الطريق اعترضه قاطع طريق.

وقال له: إلى أين؟ قال: إلى المدينة.

قال: الطريق هذه التي أنت فيها لا توصلك، وهناك طريق مختصرة أقرب.

قال: نعم.

مسكين هذا! قال: تعال من هنا، يريد أن يأخذه إلى بعض الطريق لكي يقتله، فأخذه حتى أتى به إلى ذلك الوادي؛ وإذا فيه آثار عظام الناس الذين قد ذبحهم هذا الخبيث.

فقال له: ترى العظام هذه.

قال: نعم.

قال: والله هذه عظام الذين قد فتكت بهم، فالآن إني عازم على قتلك.

قال: ولم؟ خذ ما معي وخذ حماري ومتاعي وأعتقني لوجه الله.

قال: أريد روحك، وأما متاعك وحمارك فأمر ليس فيه نقاش؛ لكن نريد قتلك.

قال: عازم لا محالة؟ قال: عازم لا محالة! قال: أجل، فإني أسألك وأطلب أن تأذن لي بأن أصلي ركعتين.

قال: صلِّ ما بدا لك.

فقام وتوجه إلى القبلة وصلى ركعتين، وذاك واقف والسيف في يده ينتظره حتى ينتهي من الصلاة ويصلب رأسه ويقتله، ثم رفع يديه إلى السماء وقال هذا الدعاء -ذكره صاحب كتاب: حياة الصحابة - والقصة صحيحة في السنن قال: يا رحيم يا ودود! يا غفور يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! أغثني! أغثني! أغثني! هذه القصة ذكرها المفسرون عند قول الله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] قال: يا رحيم يا ودود! يا غفور يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! أغثني! أغثني! أغثني! قال: وإذا بذلك الفارس الذي ينشق عنه الغبار على حصانه، وفي يده رمح، حتى جاء إلى ذلك الرجل الواقف فضربه بالرمح في صدره فخرج يلمع من ظهره؛ فخر على الأرض صريعاً، وهو ما زال يدعو الله، فقام الرجل إلى الفارس هذا وقال: من أنت فقد أغاثني الله بك، أمن الإنس أم من الجن؟ من أين جئت؟ لا أحد في الصحراء، فقد أغاثني الله بك! قال: أنا من سكان السماء الرابعة، يقول: دعوت دعوتك الأولى فاضطربت السماوات، ثم دعوت الدعوة الثانية فسمع لأبواب السماء قعقعة -تفتحت كل أبواب السماء، دعوة من مخلص مضطر- ودعوت دعوتك الثالثة فسألت الله أن يجعل شرف نجدتك على يدي، فأذن لي في ذلك فقتلته.

يقول: ثم اختفى، فخر هذا ساجداً لله عز وجل، وقام فركب حماره ورجع على أثره فذهب إلى المدينة.

فإجابة الدعوة هذه كرامة من الله للمؤمن، لكن الشقي الفاجر لا يقبل الله دعوته، يعيش معزولاً عن الله، تصوروا إنساناً يعيش في الدنيا وهو مقطوع الصلة بالله، مبتوت عن السماء، كيف يعيش هذا؟ إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك أن تكلني إلى نفسي طرفة عين) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ أن يكله الله إلى نفسه طرفة عين، فكيف بمن يكله الله إلى نفسه طول حياته؟ لا إله إلا الله! فهذه علامات الشقاء تحل بالعدو لله العاصي؛ القليل الدين؛ البعيد من الله، تحل به في الدنيا.

وأما الباقي فهو ما ينتظره من عذاب الله يوم يموت، وما ينتظره من عذاب الله في القبر، وما ينتظره من عذاب الله يوم الحشر، وما ينتظره من عذاب الله في النار أعاذنا الله وإياكم من النار ومن أهلها! أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم استعملنا فيما يرضيك، اللهم استعمل جوارحنا في مرضاتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا بعين رعايتك، اللهم من أراد هذه الديار وغيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره، اللهم أنزل عليه بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم فإنهم لا يعجزونك.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.