الإذعان يأتي كثمرة للإدراك، فإذا آمنت أن الذي يتأخر عن المدرسة أكثر من الساعة السابعة والنصف أنه يترتب على تأخره عقوبة، بحيث إن الوكيل أو المراقب واقف بالعصا عند الباب، وأن الذي سيتأخر سوف يضرب، إذا آمنت بهذا فإنك لن تتأخر، وكذلك يتبع الإيمان الإذعان في أنك تدخل مبكراً، فإدراكك للغيبيات يستلزم منك إذعانٌ وانقياد إرادي يتمثل في خضوعك ورضاك لكل أوامر الله، وبعدك وانتهائك عن كل ما نهى الله، فمن رأيناه يبتعد عن أوامر الله ولا يأتيها، ويقع في محارم الله ولا ينتهي عنها، شككنا في إيمانه.
أما إذا رأينا إنساناً مذعناً منقاداً مستسلماً لأوامر الله، أينما أمره الله وجدته، وحيثما نهاه الله لا تجده، فإن هذا نحكم بإيمانه -وأيضاً- قبل ذلك لا بد أن يتبع هذا الإدراك العقلي والإذعان السلوكي والعبادي حرارة في القلب، وحرقة في الصدر تبعث على أن يعيش الإنسان لهذا الإيمان، وعلى هم هذا الدين ونصرته، فتفكيره كله في ليله ونهاره، وسره وجهاره، ويقظته ونومه هموم الإسلام؛ لأن وجدانه معلق بالإسلام، فهو عنده إدراكات ذهنية، وإذعانات، وانقيادات سلوكية، وأيضاً عنده حرقة ووجدان يتحرك لدين الله، فيعمل بمقتضيات هذا الدين في الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى دينه، والالتزام بمبادئ هذه العقيدة، والدفاع عنها، والدعوة إليها، ومعاداة من يعاديها، وموالاة من يواليها، هذه كلها تأتي نتيجة الحرقة؛ لأن الإيمان عنده حرٌ متحرك.
أما أن يكون شخصاً بارداً لا يهمه أمر المسلمين، ولا يهتم بالدعوة ولا بالدين، فهذا إيمانه إيمان مثلّج لا ينفعه ولا يسقيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذه هي مقومات الإيمان الصادق، والعقيدة الحقة التي تشرق شموسها على جوانب النفس البشرية، فكلما كان العقل مقتنعاً والإرادات متحركة، والجوارح مندفعة إلى العمل لدين الله، والقلب يحترق ويتألم على دين الله؛ كلما كان الإنسان ذا إيمان حي.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم إيماناً صادقاً وعملاً صالحاً، إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.