[الجزء الثالث: النفس]
وهذه النفس يسميها العلماء مستشار أول للقلب، إذا أراد القلب أن يعمل عملاً أو يصدر أوامر إلى العين أو الأذن أو اللسان، أو اليد، أو الرجل، أو الفرج، أو البطن أو إلى أي تصرف من أعضاء الجسد، قبل أن يصدر تأتي النفس تقدم له مشورة.
ولكن المصيبة في النفس أن استشاراتها ومقاييس الاستشارة عندها الشهوات والمتع والراحة والانفلات وعدم القيود؛ لأنها تحب الدعة والنوم والكسل.
هذه النفس، وهذه طبيعتها، ثم لا تأمر بالخير، وقد بين الله تبارك وتعالى لنا هذا في كتابه وقال جل ذكره: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:٥٣] بالسوء: أي السيئات، بالشر، هذه طبيعة النفس الإنسانية، تأمر بالسوء، ما موقفك أيها الإنسان من هذه النفس؟ موقفك منها المجاهدة، والمعاندة، والتربية، وحملها وقسرها على الحق، حتى ترتقي وتترك الأمر بالسوء، وتصبح نفساً ثانية وهي النفس اللوامة، وهي المعبر عنها الآن في كتب علم النفس بالضمير.
النفس اللوامة في الشرع هي التي تسمى وخز الضمير، أو ألم الضمير؛ أي: أن الواحد يعمل سوءاً ثم تؤلمه نفسه، أي: يحس بألم في الداخل، وهذا اسمه: الضمير الحي.
ويوجد ضمير ميت، وهو صاحب النفس الأمارة بالسوء، ضميره ميت، يعمل الجرائم يقترف المحرمات يزني يسرق يروج المخدرات يعق والديه يقطع الصلاة ولا يحس لماذا؟ لأن الضمير عنده ميت، نفسه أمارة بالسوء، وواحد آخر لا يعمل الخير، ويحب الخير، لكن أحياناً يقع في الشر فيستيقظ عنده الضمير، وتسمى في الشرع النفس اللوامة، ثم يعاتبها فترتقي إلى المرتبة النهائية والأخيرة، وهي النفس المطمئنة التي سكنت واطمأنت على أمر الله.
وهي معروفة عند الناس الآن بنفوس الملتزمين؛ إذا قال: رجل ملتزم، أي: مؤمن سكن على أمر الله، لا يجد أبداً راحته ولا أنسه ولا لذته ولا حياته ولا طمأنينته إلا في طاعة الله، ألذ لحظة عنده حين يقرأ القرآن، أو يصلي صلاته، أو يسمع المحاضرات، أو يفعل خيراً أو يقرأ كتاباً، أو يسمع شريطاً، أو يدعو إلى الله، أو يوجه هذا ألذ شيء عنده.
هذه نفس اطمأنت، وما معنى اطمأنت؟ أي سكنت وارتاحت إلى أمر الله، ورضي الله عنها وأرضاها عن نفسها، رضي عنها فأقامها على الصراط، ورضيت فاستمرت واستقرت وثبتت على الحق، وفي هذا دعوة إلى الثبات، وعدم الانتكاس، ولهذا في تلك اللحظة يجزي الله تبارك وتعالى هذه النفس الجنة، فيقول لها تبارك وتعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه الأنفس.
ومجال الإصلاح في الشرع حولها، يقول تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠] ويقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٧ - ١٠] ولا بد من المعاندة لهذه النفس؛ لأنها كالطفل:
النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
لا يوجد طفل في الدنيا سمعنا أنه انفطم من على ثدي أمه بنفسه وباختياره، لأنه عاش على هذا الشيء، كذلك النفس لابد أن تفطميها أيتها الأخت بقوة عن المعصية؛ لأنها نفس تحب الخروج في الشوارع، وتحب المنتزهات، والحدائق، والتسوق، والنظر إلى وجوه الرجال، والأفلام والمسلسلات هذه كلها أعمال غير شرعية، وتكره البيت، وتكره ما يحبه الله.