[حال المجتمعات بدون إيمان]
أيها الإخوة: إن هذه الحياة لا يمكن أن تهدأ فيها النفس البشرية، ولا يمكن أن تعيش سويةً إلا في ظل الإيمان بالله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧]، والإيمان -أيها الإخوة- من الضروريات لسعادة الإنسان في هذه الحياة، سواءً كان فرداً أو كان مجتمعاً، فإن الإنسان بغير دينٍ في ظل الكفر -والعياذ بالله- سيعيش ريشةً في مهب الريح، تتقاذفه الأمواج، وتتلاطمه الشبهات، وتستحوذ عليه الشهوات، ولا يدري من يجيب، ولا يدري من يستمع له، فسيكون في ضلالٍ وحيرةٍ، حتى يرجع إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك ستبقى هذه التساؤلات في نفسه، فهو حيوان شرسٌ، وسبع ضارٍ، لا تستطيع الثقافات ولا النظم ولا المراقبات أن تحد من شراهيته، أو أن تحد من طغيانه، بل إنه يدور فقط مع مصالحه وفي فلك منافعه والعياذ بالله.
أما على مستوى المجتمع؛ فإن المجتمع بغير دين سيتحول إلى مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة؛ فإنه مجتمع غابة، بل والله إن في مجتمع الغابات رأفةً ورحمةً أعظم مما في مجتمع الإنسان بغير الدين.
وأنتم ترون الآن كيف تمارس أفظع أنواع الوحشية مع المسلمين في فلسطين في القرن العشرين، أنا ما رأيت المنظر لكن أحدهم أخبرني به، والله إني ما استطعت أن أنام الليل، يقول: جاء اليهود باثنين أو ثلاثة من الشباب المسلمين، وأوقفوهم وأخذوا الحجارة يدقون بها على أكواعهم، ويدقون أكتافهم، ويدقون ركبهم، تكسير، وما يمارس هذا التعذيب مع تيس، إذا أردت أن تذبح تيساً كيف تفعل به؟ تريح ذبيحتك عندما تذبحه، فلو ذبوحهم وأطلقوا النار عليهم لكان هيناً، لكن يرضونه على مرأى من العالم كله، ولا أحد يتحرك، لا مسلم يغار، ولا كافر يرحم، أين الإنسانية؟ يقول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وغرد إنسان فكدت أطير
المجتمع بغير دين مجتمع غابة حقيقةً، ولو لمعت فيه بوراق الحضارة الحياة فيه للأقوى لا للأتقى، مجتمع تعاسة حقيقةً وإن توفرت فيه أسباب الرفاهية، مجتمع تافه؛ لأن اهتمامات أهله تدور فقط في فلك شهوات البطون وملذات الفروج فقط، ولذا لم تتحقق السعادة للناس في ظل الكفر في أوروبا، وقد وفروا لأنفسهم أكثر الإمكانات البشرية والمادية فعاشوا عيشة البهائم.
إن في العالم من الشباب من له وظيفة وتجده في الأخير يأخذ حبوباً ويشربها ليموت! أو يذهب إلى قمة جبل ويلقي بنفسه منه، أو يأخذ المسدس ويقتل نفسه؛ لأنه تعيس، يبحث عن السعادة في كل شيء فلم يجدها؛ لأن السعادة لا يمكن أن تكون إلا في ظل الإيمان بالله عز وجل.
المجتمع بغير دين -أيها الإخوة- هو مجتمع ضلال، ومجتمع حيرة وانتكاسية؛ لأنه طوَّر المادة لكنه دمر الإنسان.
وهل الإنسانية الآن مطورة أم مدمرة؟! إنها مدمرة، يقول أبو الحسن الندوي وقد سافر إلى أمريكا وعاد وكتب كتاباً، يقول: زرت أمريكا فوجدت فيها ناطحات السحاب، ووجدت فيها الشوراع الفسيحة، والموانئ العظيمة، وسمعت فيها هدير المصانع والآلات، ووجدت فيها كل شيء، غير الإنسان ما وجدته.
يقول: ما رأيت الإنسان بإنسانيته ومبادئه، وبغايته الكريمة، يقول: وجدت مسخاً يمشي على قدمين وفي يده كلبٌ يأكل معه في صحفة واحدة.
فالمجتمع بغير الدين مجتمع ضلال وحيرة؛ لأنه طوَّر المادة، ودمر الإنسان، فهو وإن استطاع أن يحقق شيئاً من الماديات إلا أنه لم يحقق شيئاً من سعادة البشر، إلا من أجل تدميره ومن أجل -والعياذ بالله- القضاء عليه، وما حرب النجوم عنا ببعيد، تسمعون الآن وقبل فترة مشاريع ضخمة ترصد لها المليارات من الدولارات من أجل المسابقة إلى غزو الفضاء، وإلى السيطرة على العالم الأرضي من خلال حرب النجوم، هذه ملايين تؤخذ من البشر ولو قسمت عليهم لما كان في الأرض شقي ولا فقير، لكن لما كانت البشرية بغير دين أصيبت بهذه الويلات والنكبات.
هذه أيها الإخوة! بعض اللمحات عن الإيمان وأهميته وأثره في حياة الفرد والمجتمع، وقد يقول قائل: ما هو الإيمان الذي نعنيه؟ ما هو الإيمان الذي نريده؟ أهو مجرد تصورات، أو سلوك، أو عبادات؟ ما هو الإيمان الحقيقي الذي ينفع؟ ثم ما أسباب زيادة الإيمان؟ وما أسباب ضعف الإيمان؟ وما أسباب إحباط الإيمان؟ هذه الأسئلة الأربعة تحتاج إلى وقتٍ مثل الذي قضينا فيه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعين وأن يوفق على اللقاء بكم مرة أخرى للإجابة عليها؛ لأن الوقت محدد لي من قبل الشيخ فقد حدده بالدقيقة، قال: لا تزد ولا تنقص، هذه حصة، وليست فلتة، قال: لك خمسة وأربعون دقيقة، فأظن أني أخذت أكثر من خمس وأربعين دقيقة، فأستميحه عذراً وأستسمحكم أيضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.