كذلك بقية الموالي مثل حمامة والدة بلال وعامر بن فهيرة، وأم عبيس، وامرأة اسمها زنيرة، وأخرى اسمها النهدية، وجارية بني عدي، التي كان يعذبها عمر قبل أن يسلم، وقد أعتق هؤلاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(لو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر بالأمة كلها، إلى يوم القيامة، وما طلعت الشمس على أفضل بعد النبيين من أبي بكر) وانظروا إلى أعماله، فمن ضمن من دخل على يديه في الإسلام سبعة من العشرة المبشرين بالجنة، كلما سمع أن أحداً من المسلمين يعذب اشتراه، وأعتقه لوجه الله.
ولما رآه أبوه وهو أبو قحافة يشتري هذه الرقاب العظيمة، وهذه الأنفس الأبية التي تعذب في الله، ويعتقها، قال: يا بني! إني أراك تعتق رقاباً ضعيفة، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً يمنعونك ويقومون دونك، فقال له أبو بكر: يا أبت إني إنما أريد بذلك وجه الله عز وجل، فأنزل الله فيه قوله سبحانه وتعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل:٥ - ٧] إلى أن قال عز وجل: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:١٩ - ٢١] هذه نزلت في أبي بكر وعده الله أنه سوف يرضى يوم القيامة.
ولما أسلمت زنيرة وأعتقها أبو بكر، أصيبت بمرض في عينها فعميت، فقال كفار قريش: والله ما أعماها إلا اللات والعزى، فبلغ الخبر أبا بكر الذي أعتقها، فقال: كذبوا والله، والله لا تضرها اللات والعزى ولا تنفعها، اللهم رد بصرها فرد الله بصرها وأخزى هؤلاء الكفرة، قال تعالى:{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[الشعراء:٧٢ - ٧٤] فكانوا يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع؛ لأن من مقتضيات الإله الذي يعبد أنه قادر على الضر والنفع، أما إله لا يضرك ولا ينفعك، بل بعضهم يبول عليه، وبعضهم يأكله، فكيف تعبده؟!