للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر]

إن أهم شيء بين الزوجين وغيرهما أن يصبر الإنسان على صاحبه مهما استطاع، فالصبر يؤدي إلى كل خير وفضيلة، وبدون الصبر لا يعيش الإنسان مع صاحبه -سواء زوجته أو غيرها- حياة سعيدة؛ لأن الصبر كما يقال: مفتاح الفرج، فإذا رأى منها سوءاً شك، فالله أمر في الآية القرآنية بوعظها ثم هجرها ثم ضربها فإن استقامت ترك ضربها، فأعظم شيء هو هجرها.

أولاً: تعليمها والتوضيح لها أن فعلها هذا لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، وأن من الواجب عليها أن تطيع زوجها في كل شيء إلا في معصية الله، فلا تصوم النافلة بدون إذنه فإنه لا ينبغي لها هذا إلا بإذنه، بخلاف رمضان، فإنه لا بد أن تصومه؛ لأنه ركن من أركان الإسلام، أما صيام النافلة فلا بد من إذنه، وهجرها المشروع كما يقول العلماء: إذا نام أعطاها ظهره، ثم لا يكلمها ولا يحدثها، ويبتعد عنها أياماً وليال إذا أمكن؛ لعلها ترجع إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى زوجها، ويبين لها ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة: العبد الآبق حتى يعود ويضع يده في يد مواليه، والمرأة الغاضب عليها زوجها، حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره) فهؤلاء الثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة إلى السماء: العبد الآبق، حتى يعود إلى أوليائه ويضع يده في أيديهم، والمرأة حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره، كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا باتت امرأة وزوجها عليها غضبان باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح) -والعياذ بالله- يبين لها الحديث هذا وما أشبهه.

كذلك لو دعاها وهي على التنور يجب عليها أن تلبيه، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: [لو تعلم المرأة ما لزوجها عليها من حقٍ لمسحت تراب قدميه] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) لعظم حقه عليها، فحقه عليها عظيم، وشأنه خطير.

كذلك يروى في بعض الآثار: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما كان خليفة جاءه أحد الصحابة يشكو إليه زوجته، فقد آذته في نفسه وفي غير ذلك، فوقف في الباب يريد أن يشتكي زوجته إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فإذا عمر وزوجته في كلام كثير، تشتم عمر وتسبه وهو ساكت، وهو الخليفة وقوته معروفة، فقال الرجل: إذا كان هذا عمر في داره فكيف أنا، لا أبد أن أنصرف وأصبر، فانصرف، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا هذا! ارجع ماذا تريد؟ قال: يا عمر! جئت إليك أشكو حال زوجتي عليك، فسمعت من الباب ما بينك وبين زوجتك، فقلت: إذا كان هذا عمر بن الخطاب الخليفة القوي الشديد في الحق كيف يسكت على هذه المرأة! فقال عمر رضي الله عنه: إن لي عندها مصالح، فأنا أصبر على هذا الذي ترى منها، فهي تطبخ طعامي، وتغسل ثوبي، وتطحن دقيقي، وتربي أولادي، وغير ذلك، فلهذا أنا سأصبر عليها وليقع ما يقع، وإنه الفراق في يوم من الأيام، فقال الرجل: وأنا كذلك يا عمر، ثم انصرف هذا الرجل، ولم يقل شيئاً، انصرف من الباب بعد ما سمع ما قاله ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

فالمرأة إذا علمت وفهمت الحق الذي عليها لزوجها، ربما ترجع عن غيها، وتتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فيعيشان سعيدين في هذه الدنيا، فالمرأة تعيش مع أهلها عشرين سنة إلى اثنتين وعشرين سنة وهكذا، ثم تعيش مع زوجها ستين عاماً وأكثر من ذلك، وهما سعداء في هذه الحياة، يجتمعان لوحدهما، شابان في عنفوان الشباب، يجتمعان ثم يأتيان بالبنين والبنات، ثم الأولاد يكبرون والبنات يتزوجن ويصبح الأولاد والبنات في سكن آخر غير سكنهما، وهما أصبحا في سن الشيخوخة، هي عجوز وهو كذلك، بعد أن عاشا ستين عاماً أو سبعين عاماً، إذا ذهبت إلى بيت أهلها تتضايق ولا تطمئن إلى أهلها ولا إلى أمها وأبيها، عينها في زوجها، ولهذا لما ضرب أبو بكر ابنته عائشة جاءت تحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تخاصمه، خبأت وجهها خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ليمنعها من أبيها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

هناك قصة عجيبة للصديق وابنته رضي الله تعالى عنهما جميعاً، لما كان الصديق في الغار - غار ثور - كما تعلمون، عندما دخل ونظف الغار، وسد الجحر الذي فيه، إلا جحراً واحداً ما وجد شيئاً يضعه فيه، فوضع قدمه رضي الله عنه خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه على فخذ أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فلما كان رجله في الجحر لدغته حية، فآلمته ألماً شديداً، فلم يتحرك؛ لأجل ألا يزعج الرسول صلى الله عليه وسلم ويوقظه من منامه، وكان متعباً بعد صعودهما الجبل الهائل، وفرارهما من قريش خوفاً على نفسيهما، فلما لدغته الحية، آلمته ألماً شديداً ثم بكى فدمعت عيناه رضي الله عنه حتى قطرت على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذا يا أبا بكر؟ قال: لدغتني حية يا رسول الله! وما أحببت إيقاظك لكي لا أزعجك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها فعافاه الله).

والقصة الثانية: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة وقد نام على فخذها، فبكت وهو نائم فاستيقظ فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرت القيامة وأهوالها، وما فيها من مصائب وآفات، وعذاب شديد أو نعيم مقيم، فهل يلتقي المتحابان في الآخرة يا رسول الله؟ هل يبحث كل عن صاحبه، ويبحث عن أبيه، وعن أبنائه، وعن أمه، وعن أخته، قال: نعم يا عائشة! إلا في ثلاثة مواقف لا يذكر شخص أحداً، قالت: ما هي يا رسول الله؟ قال: عند المرور على الصراط، كلٌ يقول: نفسي نفسي، والصراط دحض مزلة، فإذا نجا من الصراط، فمنهم من يمر كالريح المرسلة، أو كالبرق الخاطف، أو كالجواد، أو كالدلول، أو يمشي مشياً، أو يحبو حبواً، أو يكردس في النار -والعياذ بالله- هذا موقف لا يسأل أحد عن أحد أبداً.

والموقف الثاني: عندما تتطاير الصحف، لأن كل شخص عند الموت يوضع في قبره، وتوضع معه صحيفته في حلقه، لا يراها إلا الله والملائكة فقط، فإذا أتى يوم القيامة طارت ورجعت إليه، إما في يمينه وإما في شماله، هذا الموقف الثاني.

والموقف الثالث: عند الحسنات، توزن حسناتك وسيئاتك، والملك ماسك بهذا والثاني بهذا، من اليمين والشمال، فإذا رجحت حسناتك على سيئاتك قال: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن رجحت سيئاتك على حسناتك -والعياذ بالله- قال: شقي فلان شقاء لا يسعد بعدها أبداًَ.

فهذه ثلاثة مواقف لا يبحث أحد فيها عن أحد.

فإذا انتهت المواقف المذكورة، فكل شخص يبحث عن صديقه، وعن قريبه، وعن أبيه إذا كان مؤمناً، أما إذا كان كافراً فلا.

إن الصبر هو حلية العارفين، إذا صبر الإنسان على زوجته واحتسب، وخاصة إذا كانت جاهلة ولا تفهم شيئاً، يصبر عليها؛ من أجل أولاده وأولادها، وكثير منهن متعلمات لكن أصبحن مسيطرات على الرجال إلا أن يشاء الله، وقد جاء في الحديث: أنه يجوز لك أن تكذب على زوجتك، فتقول لها: أخذت هذا الثوب بعشرين ريالاً، وهو بعشرة ريال -مثلاً- لكن الآن لا تصدق، تقول لك: لا.

أنا أعرف السوق، لا تكذب عليَّ، سابقاً كنا نكذب على النساء بهذا بالكلام، ولكن انعكس الآن وأصبحت النساء يكذبن على الأزواج؛ لأنهن عارفات بالأسواق، إلا من هدى الله.