للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية تربية الأبناء على الطاعة]

شخص يقول: أنا لا أريد أن آمر الأولاد بالصلاة، لماذا؟ قال: أخاف أن يتعقدوا، قلت: أنت تأمرهم بالمدارس؟ قال: إيه والله.

قلت: لماذا ما تخاف أن تعقدهم من المدارس؟ يتعقدون من الصلاة ولا يتعقدون من المدارس؟!! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) تضربه من أجل المدارس؛ لأنك تريد وظيفة وشهادة وتريد منصباً، ولكن لا تريد أن تعقده في دين الله، تريد أن يكون مفلساً، تريده ضالاً وضائعاً لا حول ولا قوة إلا بالله!! إنك مسئول بين يدي الله يوم القيامة عن هذا الولد الذي بين يديك، والله إنك مسئول بين يدي الله، وسوف يأتي يوم القيامة آخذاً بتلابيبك يسحبك في عرصات القيامة، يقول: رب! أنصفني من هذا الظالم، فيقول: يا رب! ما ظلمته، قال: والله ظلمني، هذا أبي كان يغذيني ويؤكلني ويشربني، ويداويني ويكسوني ويعلمني، لكن ما كان يأمرني بالصلاة، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] ويثني ربنا على إسماعيل عليه السلام فيقول جل ذكره: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:٥٤ - ٥٥] مر أهلك بالصلاة، وظيفتك ورسالتك ومهمتك أن تنقذه من عذاب الله عز وجل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] نحن الآن لا نقيهم النار! نحن نقيهم الجوع؛ يكد الواحد ليل نهار لكي يؤمن لأولاده الأكل هذا طيب، ونقيهم العطش، والبرد فنبني لهم عمارات، ونقيهم التعب فنشتري لهم سيارات، نملأ لهم الثلاجات، لكن: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] غير موجودة، كأن مسئوليتنا فقط في حشو بطونهم، وكسي جلودهم، وترفيههم، وأما دين الله فلا نهتم به، أين هذا يا إخوان؟! أين عقولنا؟! فلا بد -أيها الأخ- أن تشعر بمسئوليتك تجاه أولادك في حمايتهم من عذاب الله، أترضى أن تدخل الجنة وولدك يدخل النار؟ أترضى أن تقف يوم القيامة في درجات الجنة وتتفرج على أهل النار وهم كالبحر وولدك وفلذة كبدك يتقلب في النار فيدعوك ويلعنك ويسبك ويقول: أنت الذي ورطتني بهذه الورطة؟ لماذا -يا أخي؟ - خذ بيده، أيقظه وإن غضب، بعض الناس يقول: والله لا أقدر أن أوقظه، الولد أصبح معه وظيفة، ولو أمرناه يصلي لشرد علينا وأخذ النقود، الرزق عليه وليس على الله؟! لا إله إلا الله! إذا شرد هو فأين الله؟! إذا أخذ راتبه وما أعطاك، أين الذي خلقه؟ من الذي أعطاك إياه حتى تخاف من الرزق يا أخي؟ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذريات:٥٨] أرض الله قبل كل شيء يرض عنك الله ويُرضي عنك كل شيء، لكن ترضي الولد في سخط الله يسخط الله عليك ويسخط عليك كل شيء! وبعد ذلك هذا الولد الذي ترضيه الآن والله لا يرضى عنك أبداً، إنك كلما ترضيته بمعصية الله يبحث لك عن معصية أكبر حتى يورطك في الدنيا والآخرة، لكن برئ ذمتك منه، ولا تخرج إلى المسجد إلا وهو الأول شاء أم أبى، فإذا أبى فليس ولدك، فإذا قال: لا أصلي، فقل: اخرج.

نوح عليه السلام وهو نبي، لما ركب السفينة وكان الله قد وعده؛ قال الله تعالى: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [المؤمنون:٢٧] فلما رفضوا وكذبوا بنوح صنع السفينة، وأوحى الله عز وجل إليه فقال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١١ - ١٢] التقى ماء السماء بماء الأرض، التقت السماء بالأرض بالماء، فما بقي أحد على وجه الأرض إلا سفينة نوح، ومن فيها؟ الذين آمنوا، وجاء نوح إلى ولده وقال: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٢ - ٤٣] وبعد ذلك قام نوح بناءً على الوعد السابق الذي قال الله له {وَأَهْلَكَ} [هود:٤٠] وهو يعتبر أنه ولده فقال له: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:٤٥] ولدي {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:٤٥] أنت الذي وعدتني أن أركبه، فيا رب نجه {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:٤٥ - ٤٦] سبحان الله! أجل، الصلة والأهلية والقرابة ليست قرابة النسب، وإنما قرابة العقيدة والدين؛ فما دام أنه كافر فليس من أهلك، ما دام لا يصلي فليس ولدك: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود:٤٦] الله أكبر، ما هذا التهديد! يقول المفسرون: إن في هذا عتاباً عظيماً لنوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل، وهو أول الأنبياء والرسل، ولكن الله عاتبه؛ لأنه طلب الشفاعة في كافر، فقال له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:٤٦] الله أكبر! نبي يكون من الجاهلين! لكن انظر ماذا قال نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:٤٧] يقول: يا رب، أخطأت حينما شفعت لهذا، وظننت أنه من أهلي، ولكن ما دام أنه ليس من أهلي إني أعوذ بك وألتجئ بجنابك: {أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:٤٧ - ٤٩].

عليك أن تتخذ موقفاً حازماً وجاداً من أولادك في بيتك فيما يتعلق بالصلاة؛ لأن الصلاة تركها كفر يخرج الإنسان من الملة، (لا يوجد أنصاف حلول في الصلاة) فالذنوب والمعاصي الأخرى تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء غفر، وإن شاء عذب عليها، لكن الصلاة عمود الدين، لا يقوم الإسلام إلا بعموده، ولا يقبل إسلام عبد إلا بصلاته، ومن ترك الصلاة كما جاء في الحديث، والحديث في صحيح مسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) والحديث في سنن أبي داود، فإذا ترك الصلاة وهو في بيتك فلماذا تؤاكل الكافر وتشاربه، وتصرف عليه وهو جالس معك؟ لا بد أن تحدد الموقف.

ولا يصلي في البيت، البيوت ليست مواطن للصلاة، البيوت للنساء، والرجال في المسجد يقول الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:٣٦] ماذا؟ {رِجَالٌ} الله أكبر ما أعظم هذا اللقب! أثنى عليهم الله بالرجولة، وامتدحهم بهذا الشرف وقال: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:٣٧] لماذا؟ قال: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٧ - ٣٨] فلا بد من المجاهدة والمعاناة حتى تحصل الهداية.