الحقيقة الثالثة: العمل: وهي العمل، والتطبيق، والاستسلام، والخضوع لله عز وجل في فعل الأوامر، وترك النواهي بالجوارح، ويقول أهل العلم: إن الحقيقة الثالثة هي التي تصدق كلمة اللسان، واعتقاد القلب، فإذا اعتقد بقلبه، وقال بلسانه؛ برز هذا الاعتقاد في سلوكه وواقع حياته، أما إذا قال بلسانه وزعم أنه يعتقد بقلبه، ثم نظرنا إلى أعماله فلم نجد أثراً لهذا الاعتقاد الذي زعمه أو لهذا القول الذي لفظه، ولم نجد له أثراً ولا فعاليةً في سلوكه، ولا في ممارساته، ولا عبادته، عرفنا أنه كاذب.
ولذا ما جاء لفظ الإيمان في القرآن مجرداً، وإنما جاء مقروناً بالعمل الصالح: قال تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[الشعراء:٢٢٧]، وقال تعالى:{إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً}[سبأ:٣٧].
إذ لا يكفي أن تقول: آمنت، بلسانك، ولا يكفي أن تدعي أنك آمنت بلسانك وصدقت بقلبك، حتى تقيم على هذا الادعاء دليلاً من فعلك، وهو التكاليف الشرعية، أمراً ونهياً، والتكليف الشرعي له شقان أوامر أمر الله بها: عقيدة صافية، صلاة، صيام، زكاة، حج، بر، صلة، فعل خير، أمر بمعروف، نهي عن منكر، ذكر الله، دعوة إلى الله، تلاوة لكتاب الله هذه اسمها أوامر.
ونواهٍ ومحرمات، تمنع شرعاً حتى الاقتراب منها: عينك غضها عما حرم الله، لسانك كفه عن الحرام، أذنك احفظها من الحرام، يدك كفها عن الحرام، رجلك لا تمش بها إلى الحرام، بطنك لا تدخل فيها حراماً، فرجك لا تطأ به في حرام، هذه نواهٍ.
فإذا رأينا رجلاً يمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي؛ عرفنا أنه صادق، أما رجل يقول: آمنت بالله، وأنا مصدق بالله، ولكن لا يفعل أمراً، ولا ينتهي عن نهي؛ فهذا كاذب.