[التوبة النصوح]
أيها الإخوة: لا شيء يُسْتَجْلَب به الرزق -بل وكل خير- ويُسْتَدْفَع به الشر -بل وكل سوء- إلا التوبة إلى الله، التوبة النصوح الصادقة، وذلك: بالرجوع عن كل ما حرمه الله من المعاصي والذنوب، إلى كل ما أمر الله به من الطاعات والقربات ويحقق للعباد توحيدهم.
ويبتعدوا عن جميع ما ينافي التوحيد أو ينقصه أو يقدح فيه، ويحافظوا على فرائض الله بدءاً بإقامة الصلوات في المساجد جماعة، وتربية الأولاد عليها، وملاحظة النساء والبنات في البيوت على أدائها، وأداء زكاة الأموال كاملة، والقيام بجميع فرائض الله، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والحب في الله، والبغض في الله، وتعليم الناس الخير، إلى جانب الابتعاد والاجتناب عن جميع المحرمات والفواحش، وأجناس المسكرات، والمخدرات، والمفترات، والربا في المعاملات، والخيانة في الأمانات، واستعمال أنواع الملهيات، ووسائل الشر، كالدشوش، والتلفاز، وجميع هذه الوسائل التي تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وتدعو إلى الفاحشة والفضيحة.
فعليكم -أيها الإخوة- وعلى كل مسلم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، فيما يعود علينا بالخير، وأن يعاون بعضنا بعضاً، فالرجل يعين امرأته، فإن من النساء من يهديها الله إلى الخير؛ ولكن تُواجَه في البيت بعدم المعاونة من قبل البيت، بل بعض الأزواج يرغم زوجته على المعاصي، والعكس، يكون فبعض الأزواج طيب وفيه خير؛ لكن زوجته لا تتعاون معه على الخير، فتقوم بإفساد حياتها مع زوجها، وإفساد أولادها وبناتها، فلابد من التعاون على مستوى الأسرة، الرجل يعين امرأته على الدين، والمرأة تعين زوجها على الدين، والرجل يعين ولده، وقد يصلح بعض الأولاد ويلتزم، فإذا رأيت ابنك التزم فكن عوناً له على طاعة الله، والمرأة تعين ابنها، وتعين ابنتها: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢].
التعاون فيما بيننا في مستوى الأسرة، والحي، والإدارة أو المدرسة، أو المؤسسة، أو الشركة، فإذا رأينا مديراً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا موظفاً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا من يقول الخير وقفنا بجانبه، وإذا رأينا من يقول الشر وقفنا في وجهه، لنكون كلمة واحدة؛ لأن صوت الحق الواحد ليس كاثنين وليس كثلاثة، وكلما زاد الخير انقمع الشر؛ ولكن حينما نسكت عن الخير، ويتكلم أهل الشر يزداد الشر، وأنت في طريقك إلى المسجد ترى طفلاً يلعب ولا يصلي قل: صلِّ يا ولد، وإذا مر الثاني وقال: صلِّ يا ولد، ومر الثالث وقال كذلك، ماذا سيكون الأثر عند هذا الولد؟! سيصلي؛ لأن الناس كلهم أمروه؛ لكن حينما تمر أنت وتسكت، ويمر الثاني ويسكت، ويمر عشرة ويسكتون، ثم يمر واحد ويتكلم فسينظر إليه نظرة استغراب ويقول: انظر إلى هذا الفضولي! كل الناس ذهبوا يصلون إلا هو، ما دخلُك؟! من أين جاء هذا الشعور؟! من الأنانية، والسلبية، وعدم الشعور بالتضامن في الدعوة إلى الله.
كنت مرة في السوق، وأنا أشتري في محل خضروات، وآخذ من هذا ومن هذا، وإذا بامرأة كاشفة وجهها في محل آخر بجانبي تشتري من بائع آخر، فوقف شاب جزاه الله خيراً ينصحها فقال: تغطي.
فلم تستجب للنصيحة، وقالت: ما علاقتك؟! ما دخلُك؟! لكن البائع الذي أمامها كان فيه خير، قال: ما دخلُه؟! كيف ما دخلُه؟! تهتكين دين الله، وتهتكين عرضك، وعرض زوجك، ثم تقولين: ما دَخلُه؟! لا بد أن يكون له دخل.
أنا نظرتُ وسمعت الكلام فصحت عليها: نعم له دخل وهذا يصيح وذا يصيح وذاك يصيح ماذا فعلت المرأة؟! مباشرة قالت: جزاكم الله خيراً.
وتغطت، لماذا؟! بالتعاون، والتضامن؛ ولكن لو أننا تركناه عند كلمته هذه، وتكلَّمَتْ عليه لانتصر الباطل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، ونسأل الله سبحانه أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، اللهم أحينا مؤمنين، وأمتنا مؤمنين، واحشرنا في زمرة النبيين والشهداء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ لنا أمننا، ونعمتنا، واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا، وعلماءنا، ورجالنا، ونساءنا، وجميع المسلمين لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله.