[أسباب الحديث عن الضعف والتراخي في حياة الملتزمين]
إن اختياري لهذا الموضوع نابع من حديث في صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه).
هذا كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمونه صاحب الوضوح والكلمة الصادقة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمنه على السر، وهذا الرجل هو الذي جاء بالخبر أيام ليلة الأحزاب، لما تحزب المشركون قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم) فسكتوا جميعاً؛ لأن الضعف البشري ينتاب كل إنسان، والظروف التي كانت تحيط بالصحابة تلك الليلة ظروف صعبة لا تتحملها الجبال: خوف، وفقر، وبرد، ومطر، ورياح عاتية، وجوع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم وله الجنة) فلم يقم أحد، وهم كلهم يريدون الجنة لكنهم لا يستطيعون القيام، فقواهم انتهت، وإمكانياتهم البشرية تعطلت، لا يستطيع أحد أن يقوم، يقول: (فكررها فما قام أحد، فقال: قم يا حذيفة) اختار الرسول لهذه المهمة الصعبة حذيفة، يقول: (والله لولا أنه نص علي ما قمت) لكن قد قال: قم، ما بقي لي إلا أن أقوم.
يقول: (فقمت، فدعا لي، قال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه يقول: فأذهب الله ما بي من الجوع، وأذهب الله ما بي من البرد، وأذهب الله ما بي من الخوف، فذهبت) والرسول صلى الله عليه وسلم يعرف الرجال ويعرف من يختار (يقول: فجئت، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب إليهم وأتني بخبرهم ولا تحدث شيئاً، فذهبت في الليل، ودخلت في صفوف المشركين، ولما دخلت لاحت لي فرصة لقتل أبي سفيان ولكن تذكرت قول الرسول: لا تحدث شيئاً فما فعلت شيئاً، فلما جلسنا قام أبو سفيان وألقى خطبة فيهم وقال: ليعرف كل صاحبه فإن المجالس مدخولة).
يقول لهم: كل منكم ينظر من بجانبه، من هو، لئلا يكون هناك غريب يسمع كلامنا، ويأخذ أخبارنا، فماذا صنع حذيفة؟ قال للذي بجانبه: من أنت؟ من أجل ألا يقول له ذلك: من أنت؟ قال: (أتغدى به قبل أن يتعشاني) انظروا كيف الذكاء، فقام أبو سفيان وخطب فيهم وقال: هلك الخف والكراع والحافر.
الخف: يعني الإبل، والكراع: يعني الغنم، والحافر: يعني الخيول، يقول: والرياح عاتية، والقدور مقلوبة، والأمطار شديدة، والخلخلة قد حصلت بعدما تخلى اليهود وتخلى بعض القبائل عنهم، ما أرى إلا أن نرحل، فأشار عليهم بهذا الرأي فوافقوا ورحلوا، ورجع حذيفة بن اليمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبره بخبر رحيلهم {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:٢٥] قال الله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة:٢٦].
هذا حذيفة يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
فقلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام.
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها لو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) من هذا الحديث ومن سؤال حذيفة عن الشر نتكلم عن هذا من أجل الذي في نفسه ضعف يقوي نفسه، ومن كان قوياً فأسأل الله أن يقويه حتى يلقى الله.