[معنى الكتابة في الأزل]
ما معنى الكتابة في الأزل؟ هذا سؤال مهم جداً أرجو أن تنتبهوا إلى الإجابة عليه؛ لأن سوء الفهم للحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي بالإنسان إلى الهلاك والضلال.
إن الله كتب حينما وُلِدَ الإنسان في بطن أمه، ومرت أربعة أشهر -مائة وعشرون يوماً- وبدأ الشهر الخامس ينزل الملك ويبدأ يحدد النوع ويكتب أجله ورزقه وشقي أم سعيد، ما معناه؟ معنى الكتابة أولاً: يقول العلماء: إنها سابقة لا سائقة، الكتابة سابقة عند الله ولكنها ليست سائقة، أي: أنها ليست ملزمة ومجبرة للإنسان كيف؟ الآن إذا أراد إنسان أن يبني عمارة ما الذي يلزمه في أول مراحل البناء؟ أن يعمل مخططاً، ثم يذهب إلى المكتب الهندسي ويقول: أنا عندي أرض مساحتها عشرون متراً في عشرين متراً، على شارع عام، أريد أن أعمل فيها عمارة، ويعطيه كل التصورات التي يريدها؛ الدور الأول محلات تجارية، والبدروم مستودعات، والدور الثاني شقق سكنية، والدور الثالث أريده سكن لي أنا وعائلتي، المبنى يتكون من ثلاثة أدوار: المجلس أريده أن يكون عشرة في خمسة، (والمبلط) بجانبه سبعة في ثلاثة؛ لأني كريم وصاحب ولائم وعندي أقارب ومناسبات كثيرة، وأيضاً أريد غرفة للنوم والحمام بداخلها، يعطيه كل هذه المواصفات ويقوم المهندس فيترجم هذه المعلومات كلها في مخطط كامل، وبعد ذلك يعرضه عليه ويجري عليه تعديلات سهلة على الورق، فإذا استقر الرأي قال: يا (مهندس) نفذ! فتقوم العمارة سليمة.
لكن ما رأيكم في صاحب العمارة لو جاء وأتى باليمنيين من السوق والمقاولين وبدون مخطط وقال: ابدءوا في بناء العمارة.
قالوا: كيف نفعل العمارة؟ قال: ابدءوا على كيفكم افعلوا العمارة المهم (البلك والإسمنت) والحديد موجود، حسناً وأين نجعل المجلس؟ اجعلوه هنا على اليمين، على أساس الناس إذا دخلوا على اليمين.
(والمقلة؟) قال: ضعوه بجانبه.
كيف نعمله؟ قال: قدروا وانظروا.
وبعد العصر جاء واحد وقال: لماذا وضعتم المجلس على اليمين؟ هذا خطأ الشمس لا تدخل هنا، اجعل المجلس في الشمال، فدعا العمال: وضع المجلس هنا خطأ، انقلوا المجلس هنا، بعد قليل المهم ما رأيكم في عمارة هذا الإنسان؟ هل هي سليمة أو تنهدم رأساً؟ وبعد ذلك الأساس كم هو؟ قال: ضعوا القواعد هنا متر في متر، أي: الأرض صلبة، جاء واحد قال: لا، ثلاثة أدوار يا شيخ! ولعل الله أن يمد في عمرك ويضع لك أولادك أيضاً دورين أو ثلاثة لا، ضع القاعدة مترين في مترين، فدعاهم وقال: انقضوه، خذوا (الصبة) هذه واجعلوها مترين في مترين، جاء شخص بعد ذلك قال: يا شيخ أنت مخطئ كيف تضع مترين في مترين؟ أنت على شارع عام يا شيخ، والدنيا تتطور كل يوم، هل تريد أن تهد عمارتك بعد ذلك؟ اجعلها ثلاثة في ثلاثة يا شيخ، لا تبخل على نفسك، وإلا ندمت بعد ذلك.
بالله ما رأيك في هذا المسكين؟ هل عمارته هذه سليمة، أم أنها خطأ في خطأ؟ لماذا؟ لأنه مرتجل، ودائماً الارتجال نتيجته الفشل باستمرار.
أليس المدرسون عندكم في المدرسة يضعون خطة للدراسة في أول العام، ويقسمون المنهج على أشهر السنة، بحيث يطالب كل مدرس الشهر الأول بأن ينجز من وإلى، وفي الشهر الثاني من وإلى، هذا في العرف؟ لكن يمكن في الشهر الأول يزيد قبل الحل، ويمكن في الشهر الثاني لظروف معينة يمد عليه المنهج لصعوبة بعض بالمواد، لكنه في هذا الإطار، لكن لو جاء في أول السنة وقام المدير وقسم المنهج على أشهر السنة قال: لا داعي للتقسيم هل تريدني أن أمر على الطلاب مرور الكرام؟ أم تريدني أن آخذ المنهج والطلاب لا يفهمونه؟ ماذا يفعل المدير لهذا المدرس؟ يقول المدير له: أنت مدرس فوضوي، ولا تصلح لعملية التعليم؛ لأنك لم تنظم المادة ولا قسمت المنهج، الآن كيف أسير الطلاب هؤلاء؟ أنجحهم إلى سنة ثانية وهم لم يدرسوا المنهج، أو أسقطهم سنة وأعطل مستقبلهم؟ إذاً: أنت الفاشل وسوف أبعدك من هنا.
فالتخطيط مطلوب لكل عمل، وإذا كان هناك ارتجال فكيف يصير العمل؟ خطأ في خطأ، وقفنا عند هذه الناحية، ولله المثل الأعلى.
الله تبارك وتعالى حينما أراد أن يخلق الكون والحياة لم يرتجل وإنما عمل -نحن نسميه في عرفنا مخططاً- القضاء والقدر، أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب في اللوح المحفوظ.
قال له: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة -عمل المخطط- كل ما هو كائن مكتوب في اللوح والمخطط عند الله، والتنفيذ في الميدان.
ومعنى الكتابة: سبق العلم، وهو أن الله عز وجل علم في الأزل أنَّ زيداً وعمراً من الناس، وهذين الشخصين سوف يوجدان ويخلقان ويبلغان سن التكليف، ويعلمان بأوامر الشرع، وتكون لديهما القدرة على اختيار سبيل الخير أو الشر، ولكن زيداً من الناس رجل عاقل استقام واستجاب لأوامر الله وقام على الدين حتى مات، فعلم الله أنه نتيجة استقامة زيد على دينه أن يكون سعيداً، فكتبه سعيداً وهو في بطن أمه، وأن عمراً هذا سيبلغ سن التكليف وسوف يكون رجلاً، وسوف تبلغه الشريعة، ولكنه لن يستجيب لأمر الله ولا لداعي الله، وإنما سيستجيب لداعي الشيطان والهوى والشهوات والمعاصي؛ فكتبه الله شقياً.
أفنريد على الله ألا يعلم ماذا سيكون غداً؟ إذا كنا أنا وأنتم لا نعلم ماذا سيصير غداً أليس كذلك؟ أنريد ألا يعلم الله ماذا سيصير غداً أيضاً؟!! إذا كان الله لا يعلم ماذا سيصير غداً فهو مثلنا، فعلم الله مثل علمنا، لكن ما دام أن الله عز وجل عليم فوجب أن يكون علم الله أقدر وأنفذ من علمنا، فهو يعلم ماذا سيكون غداً.