[إجابة داعي الله من الاستعداد النفسي للهداية]
ثانياً: عندما تسمع الأذان وأنت نائم في البيت فتشعر أنك مسئول عن هذه الدعوة، لمن هذه الدعوة؟ المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فمن يدعو؟ من يخاطب؟ أيخاطب البقر؟! يخاطب الخيول؟! يخاطبك أنت أيها المسلم! يقول: الله أكبر من النوم، الله أكبر من الزوجة، الله أكبر من الفراش، الله أكبر من الهدوء والراحة، قم إلى الكبير، فإذا لم يقم الواحد، قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، رغم أنفك أيها الإنسان! يا من لا تستجيب لهذا الرب العظيم، هو الله لا إله إلا هو، أشهد أن لا إله إلا الله (يكررها مرتين).
فإذا لم ينهض الواحد قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وقامت به الحجة، واتضحت به المحجة، حتى تركنا على الطريق الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فإذا لم يقم الشخص قال المؤذن: حي على الصلاة، استحي من الله وقم، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، فإذا ما نفعت هذه وقد بلغت اثني عشر صوتاً قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، يعني: الله المستعان، لا إله إلا الله، خمسة عشر صوتاً يناديك مولاك وخالقك وبارئك وفاطرك إلى أن تأتي إلى بيته بخمسة عشر صوتاً ولا تأتي، بالله عليكم ما هو حكم هذا؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وقال: (لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لا يجيب) ويقول: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).
أنت هنا وأنت تسمع الداعي، وأنت في الفراش تأتيك الداوفع الإيمانية فتقول: أف! إنه يناديك، وتأتيك النوازع الشيطانية فتقول: يا شيخ! نعم وستصلي بعد، والمعبود باقٍ، والله في كل مكان، وأنت بعد ما زلت شباباً، ولو تقوم الآن لخرب النوم، ولا يأتيك النوم إلا بتعب، وسوف يفوتك الدوام، ودوام الله بسيط؛ لكن دوام البشر أيقنا بعقوبة البشر فلم نتأخر عن دوام البشر، لكن دوام الله لمَّا ضعف إيماننا بقوة الله وعظمته وشدته وبأسه ضيعنا دوام الله.
أما المؤمن فيقوم، وهو في قيامه إلى الله ماذا يحصل له؟ أول شيء يحصل له تعب وذبول، لكن مع المعاناة والمجاهدة فهذا تحصل له هداية، فبقدر المجاهدة تأتي الهداية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] فيجاهد في اليوم الأول ويعطيه ربه الهداية بقدرها، ويجاهد في اليوم الثاني ويعطيه ربه بقدرها، ويجاهد في اليوم الثالث ويعطيه الله وكلما جاهد أعطاه الله، حتى تكتمل له الهداية، فإذا اكتملت له الهداية لا يكون هناك صعوبة عنده، ينام طوال الليل، وإذا جاء وقت الصلاة فكأنما يوقظه رجل، يقوم بدون ساعة وبدون إيقاظ من أحد، تقول له: من أيقظك، قال: والله انتبهت، الله الذي أيقظني! تصبح العبادة والصلاة عنده أمراً راسخاً في ذهنه وفي حياته، تصبح صفاتٍ لازمة له، وملكات راسخة في حياته، بحيث لو عطلها لا يستطيع أن يعيش، تصبح الصلاة له مثل الماء للسمك، هل يستطيع أن يعيش السمك من غير الماء؟ لا.
أبداً! وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من غير الهواء؟ لا.
أبداً! وهل يستطيع المسلم أن يعيش من غير صلاة؟ لا.
أبداً!! ولكن متى أتت هذه؟ بعد المعاناة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] المجاهدة مطلوبة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:١٧] ويقول الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥] لما انصرفوا عن ربهم أزاغ الله قلوبهم وطردهم والعياذ بالله! فأنت وأنت تقوم إلى الصلاة تعلن الحرب على الشيطان، وتعلن التمرد على أوامره، وتعلن الاستجابة لمولاك، وتعلن الذل والعبودية لخالقك، فتقول: الله أكبر، أذهب إلى الله، فتخرج من بيتك كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفعت له عند الله درجة) ثلاثة أشياء -وأنت وحظك- بيتك بعيد أو قريب كل شيء بحسابه، لا تحسب عندما يكون بيتك قريباً من المسجد أو بعيداً أن المسألة ضائعة، لا.
فكل شيء بحقه؛ الذي يمشي ألف خطوة ليس كالذي يمشي مائة خطوة، وكل شيء بحسابه عند الله، والذي يمشي بسيارته ويروح بها أيضاً أفضل، لماذا؟ لأنه بذل جهداً وعناء ومالاً وبترولاً، والسيارة يمكن أن تخرب مع كثرة التشغيل في الأجواء الباردة، لكن يقول: لا يهمني في سبيل إرضاء ربي أن أذهب إلى الله عز وجل.