محبة الله عز وجل هدف كل مؤمن، وغاية كل موحد، وإذا أحبك الله، أقبلت إليك طرق الخير من كل جانب، وإذا أبغضك الله، تولت عنك طرق الخير، وأقبلت عليك طرق الشر؛ لأن من أحبه الله أحبه كل شيء، ومن أبغضه الله أبغضه كل شيء، (إذا أحب الله عبداً نادى في السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم يأمر الملائكة كلها في السماء أن تحبه، فتحبه وتستغفر له في السماء) قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ}[غافر:٧ - ٩].
هذه الملائكة في السماء تدعو لك وأنت لا تعلم تدعو لك أن يغفر الله لك، وتدعو لك أن يدخلك الله الجنة، وتدعو الله لك أن يدخل الله معك آبائك، وأمهاتك، وزوجاتك، وذرياتك؛ لأنه لا تتم لك فرحة في الدنيا إلا وقد جمع الله لك بين آبائك وأزواجك وذرياتك، فما بالك بالآخرة:{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ}[غافر:٨] ومن تدخل معهم؟ {وَمَنْ صَلَحَ}[غافر:٨] ليس كلهم، وليس حوش بقر، فمن أتى دخل، لا.
هذه جنة لا يدخلها إلا أهلها {وَمَنْ صَلَحَ}[غافر:٨] أما من طلح فليس له إلا النار.
لما قال نوح:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود:٤٥] وكان عنده وعد من الله، قال الله:{فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}[المؤمنون:٢٧] وفهم نوح أن أهله، أي: أسرته، ومراد الله أهله أي: أهل عقيدته، أهل دينه، فالأهلية هي: أهلية العقيدة، فولدك إذا كان على دينك فهو من أهلك، وإذا لم يكن على دينك فهو ليس من أهلك.
والبعيد إذا كان على دينك فهو من أهلك، وإذا لم يكن على دينك فليس من أهلك؛ لأن الله عز وجل يقول:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:٢٢] ثم قال: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:٢٢] لأن صلة العقيدة فوق كل صلة، ورابطة الإيمان والدين فوق كل رابطة، ففهم نوح عليه السلام أنه من أهله فقال:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود:٤٥] قد قلت: أركب أهلي، وابني لم يرض أن يركب {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ}[هود:٤٢ - ٤٣] رجل مادي، عقلية متحجرة، يقول: سوف أذهب إلى رأس جبل يمنعني من الماء {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:٤٣] لأن الله عز وجل قال: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر:١٢]{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}[القمر:١١] فالتقى ماء السماء بماء الأرض، حتى التنور الذي هو مكان النار، والذي لا يتوقع أن يكون فيه ماء، يفور بالماء، النار والماء متضادتان، ولن يجتمع النار والماء، لكن الله جعل من موطن النار ماء {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}[هود:٤٠] فارت كل الدنيا حتى موطن النار أصبح يصعد بالماء، قال الله عز وجل:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود:٤٦ - ٤٩].
صحيح أن الفجرة والعصاة والمجرمين والمنحرفين يبدوا لهم نوع من الإمهال، ونوع من الإضلال، ونوع من المكر من الله عز وجل، ونوع من إعطائهم فرصة، لكن لمن العاقبة في كل ساعة وفي كل حين؟ {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف:١٢٨].
فالله تبارك وتعالى يخبر أن الملائكة تقول:{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[غافر:٨] ثم تدعو الملائكة لك وأنت في الأرض تقول: يا رب! قهم السيئات، واصرف عنهم الذنوب، واحمهم منها؛ لأن الذنوب مهلكة الذنوب قاطعة عن الله الذنوب مانعة عن الوصول إلى الله، فهي حجاب بين العبد وبين الله، فهذه الذنوب والمعاصي عقبات وموانع وحواجز فلا تستطيع أن تصل إلى الله بوجود الذنوب، فإذا أردت أن تصل فأمط الذنوب والآثام من الطريق، واركب مطية العمل الصالح تصل إلى الله بسلام، لكن حين تكون المطية معطلة، والعمل الصالح قليل، والموانع كثيرة كيف تصل؟! لا تصل.
قال الله:{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ}[غافر:٩] ثم قالت الملائكة: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:٩] اللهم قنا السيئات يا رب!.