للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الحلف بالحرام والطلاق وما شابهه]

السؤال

ما رأيكم فيمن يقول: قد حرمت أن حساب الغداء عليَّ؟

الجواب

يعني دخل هو وواحد في مطعم ويريد يحاسب قال: حرام إن الحساب عليَّ، هذه الألفاظ من الأيمان البدعية التي لا ينبغي للإنسان أن تدور على لسانه؛ لأن من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت، فإذا أردت أن تحاسب فأخبره أنك تريد أن تحاسب، فإذا أردت أن تقنعه فقل له: والله الذي لا إله إلا هو ما يحاسب إلا أنا، فإذا خالفك وحاسب فتطعم عشرة مساكين، بدل ما تطعم واحداً تطعم عشرة، جزاء لك وردعاً لأمثالك.

وإذا كنت تريد أن تحلف عليه وما تريد أن تُكفر تقول: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله أنه ما يحاسب إلا أنا، فإذا حاسبت الحمد لله، وإذا رفض دعه يحاسب، وأنت ما عليك شيء؛ لأنك ربطت اليمين بمشيئة الله، إذا قلت: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله أنه ما يحاسب إلا أنا، فليس عليك شيء إذا فجرت، لكن إذا عقدت اليمين وفجرك تطعم عشرة مساكين، أما إذا قلت: حرام أنه لا يحاسب إلا أنا، فقد أقسمت بالحرام، والله عز وجل قد قال في القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١] لأن معنى حرام يعني حرام مما أحل الله عليَّ ويمكن يدخل في ضمنها النساء، ويمكن تكون كفارتها مغلظة ككفارة الظهار لكن إذا قصد بها المرأة ففيها كفارة مغلظة، وإذا قصد بها اليمين ففيها كفارة مخففة وهي إطعام عشرة مساكين إذا فجر، ولكن عليه أن يتوب إلى الله من الحرام ولا ينبغي له، ولا داعي للأيمان، لا تحاول أن تقحم نفسك في يمين لا بطلاق ولا بحرام ولا بحناث ولا بربي، دع الأمور ممددة، من أطاعك فالله يجزيه خيراً ومن رفض فالله يعينه.

بعض الناس يجعلك تأكل غصباً ويحلف بالله أنه سيحاسب، فإذا قال: لا والله ما أحاسب إلا أنا، فقل: كثر الله خيرك، وكثر الله من أمثالك، ودعه يحاسب كل يوم، وسوف ترى إذا حلف اليوم فغداً لن يحلف عليك؛ فلماذا تحرج نفسك، وأصبحت مضاربة ولم تعد أكلة، وبعضهم يطلق، فقد جاء رجلان إلى الشيخ عبد الله بن يوسف قال: أنا رحيمه أتيت عنده ودخلت عليه وحرمت ما أريد أن أكلف عليه، وقلت: طلاق أنك ما تذبح لنا، قال هو: طلاق إلا أذبح لكم، وجاءوا الاثنين كل واحد منهم يسأل ما هو الحكم؟ قال الشيخ: أحدكما تحرم عليه زوجته، فبسبب اللحمة أصبحت مشكلة في البيت وهي الطلاق.

وبعض الناس الذي ما زال رأسه يابساً إذا حلفت له بربي سوف يذمه، وقال: والله إنه حلف بربي، كأنه جعلها سهلة، لكن إذا طلقت قال: والله فلان الصادق الذي عزم صحيح، والله إنه يطلق، الله أكبر! هذا والعياذ بالله من تعظيم غير الله، أن يحلف بالله فلا يعظم وأن يحلف بالمرأة فتعظم، يعرض عليهم وجه الله فلا يعظمونه ويعرض عليهم وجه المرأة فيقولون: خلاص قد طلق امرأته، لكن لو أنه حلف بالله فجروه وراحوا، لكن مثل هؤلاء لا يستحقون الإكرام، والله ما يستحق تذبح لهم قطاً، الذي لا يعظم إلا وجه المرأة ولا يعظم وجه الله لا يستحق أنك تذبح له، كيف تذبح له وهو يعظم غير الله عز وجل، لا تحلف على أحد لا بربي ولا بغيره، قل: أنا أريد أن أكرمك يا أخي، فإن قال: جزاك الله خيراً تفضل، وإن قال: لا.

أنا مستعجل، فقل: الله يعينك، أما أن تحرج نفسك فلا.

ثم قضية الذبائح التي نحن الآن عليها، والتي لا تزال متخمرة في رءوسنا فهذه ما أنزل الله بها من سلطان، وليست من الإكرام في شيء، فالإكرام أن تقدم لضيفك ما يكفيه، هذا هو الإكرام بحيث لا يقوم وهو جائع، أما إذا أتاك ضيف فتقوم تذبح له، فهو كم يكفيه من الذبيحة؟! يكفيه ربع كيلو فقط، فتذهب تشتري له خروفاً فيه وهو سيأكل منه ربع كيلو، ثم بعد ذلك تشهر به على رءوس الأشهاد وتعزم الجماعة من طرفهم إلى طرفهم لكي تعلم العرب أنك ذبحت لهذا الرجل والله يحيكم على شرف فلان، وبعد شهرين أو ثلاثة إذا أتيت سوف أذبح لك واحداً، لماذا؟ المصلحة للناس والمضرة عليَّ، فهذا لا يجوز في دين الله، وهذا ليس من الكرم في شيء، وإنما من عادات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا جاءك ضيف أكرمه، ونحن لا نحث الناس على البخل، فإن الكريم قريب من الله، قريب من الناس قريب من الجنة، أكرمه وأدخله بيتك وقدم له أحسن طعام، لكن لوحده لماذا تدعو الناس الآخرين؟ قد تقول: والله إنهم محتاجون، هذا الكلام كان قديماً عندما كان الناس لا يجدون في القرية لحمة، فإذا جاء الضيف فرحوا لكي يروا معه قطعة لحمة أو مرقة ولهذا يكثرون المرق، ويكثرون العصيد واللحم، ولا يمد أحد يده على اللحم إلى أن يأتي المقسم، والمقسم هذا يعرف كيف يقسم اللحم على الحاضرين وعلى من في البيوت وعلى النساء، وكل يعطيه قسمه على قدر قيمته في المجتمع ويضع له وينفخ يده كذا.

أما الآن لم نعد نحتاج للحم ففي بيوتنا كلنا ثلاجات، حتى العزوبي أصبح في بيته ثلاجة، حتى العمال في المزارع عندهم ثلاجات، فلا يوجد رجل إلا وفي بيته ثلاجة، لماذا الثلاجة؟ من أجل اللحمة، فهناك لحم ودجاج وسمك في كل ثلاجة.

وبعض الناس يتضايق من عزيمتك له لماذا؟ لأنه أهنأ له أن يأكل لقمته مع زوجته وأولاده من أن يأتي يأكلها معك، فأنت تحرجه في هذه الدعوة وتجعله بين خيارين ويأتي وهو كاره يريد أن يأكل مع أهله أو يرفض وتزعل عليه: والله عزمت فلان وما جاءني، إذن لا أذهب إليه، ويتقاطع الناس بسبب هذه المشكلة، دع الناس في بيوتهم يا أخي، وبدل الخروف الذي تشتريه بثلاثمائة أو بتسعمائة، وطبيخ ويتشحط في دمه وفي سمنه خذ كيلو أو نصف كيلو واطبخها مرة واحدة وقربها للضيف وقل: كل لحالك إلى أن تشبع، ويكمل ويقول: الله يجزيك الخير ويكرمك الجنة، وبعدين يفرح بك إذا رآك بعد شهر وشهرين لكي يعطيك كيلو مثله ويهنأ الطعام، لا خسرت أنت ولا تعب هو، وريحت الناس كلهم في تلك العزيمة.

أحد الإخوان يقول: والله مرة أحدهم ذبح لي خروفين وعزم الناس وبعد ذلك قال: الله يحييكم على شرف فلان.

يقول: وآتي أنا ويعطوني الذنب -السبلة- ماذا أعمل بهذه! إن جئت أقوم من الصحون أريد لحماً ماذا أعمل بالشحم؟ يقول: تركت (السبلة) على رأس الصحن ما أمامي إلا الصحن كيف آكل الآن! أمد يدي من ذاك استحيت، يقول: والله ما غير أكلت سلطة وخبزة وأولئك يصدعون في اللحم والأضلاع وأنا جالس ما عندي إلا الشحمة والاسم لي والمصلحة لهم، ويوم خرجت قلت في نفسي: الله لا يخلف عليك؛ لأنه لم يؤكلني حقيقة؛ لأنه لو أراد إكرامي حقيقة لاشترى بدل الخروفين كيلو لحمة وطبخه وجعل عليه عصيدة أو أرز وسلطة وفاكهة ودعاني آكل أنا ليهناني، فهذا أفضل من هذه الشغلة.

فلا داعي يا إخوان لهذا، وقد انتهينا من هذه الجاهلية، ولا داعي لأن أجمع الناس وأشهر بهم وأحاسبهم، أقول لفلان: لماذا لم تأتِ وقد دعوتك؟ يا أخي لا أريد أن آتي، ليس إجباراً عليّ، أنا أريد أن آكل مع أولادي، أنا أريد أن آكل خبزة وشاي معهم ولا آكل خروفاً عندك، وأنت تحرجني إلا أحضر، مفهوم هذا إن شاء الله، لا تقولوا إني بخيل! والله ما أنا ببخيل إن شاء الله لكن معتدل.