[لا يجمع الله بين أمنين ولا خوفين]
وفي الحديث الذي يرويه أبو نعيم في الحلية: عن شداد بن أوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث صحيح؛ صححه الألباني في السلسلة -: (يقول الله عزَّ وجلَّ: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين، ولا أجمع عليه خوفين، إن هو أَمِنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمَّنته يوم أجمع فيه عبادي) أتريدها كلها سواءً؟! لا.
لا يصلح، خِف من الله هنا تأمن من الله هناك.
أما أنك لا تخاف الله هنا، فسوف يخوِّفك الله عزَّ وجلَّ هناك، ثم أجرِ مقارنة، فلا بد من واحدة تجري على رأسك، ليس لك مهرب، ما دُمتَ غُلِبْت فلا بد من أن تخاف هنا أو تخاف هناك، أو تأمن هنا، أو تأمن هناك، فما هو الأفضل لك والأسلم؟ أن تخاف ستين أو سبعين سنة وتأمن أبد الآبدين؛ أم أن تأمن ستين أو سبعين سنة، وتشرب وتأكل، وتنكح وتزني وتفجر، وتنام وتتمشَّى، ثم يخوفك الله أبد الآبدين؟ ما هو المنطق والعقل؟ المنطق والعقل إذا تَدَخَّلا سيقولان: لا والله، خَفْ سبعين سنة أو ثمانين سنة أو مائة سنة، ولا تخف الأبد كله.
الناس الآن واقعون مع أنفسهم في دراستهم، تجد الطالب الواقعي يجتهد ست سنوات ابتدائي، وست سنوات متوسط وثانوي، وأربع سنوات جامعة من أجل أن يأخذ الشهادة الجامعية ويتوظف، ليعيش في هذه السن التي بذل فيها الدراسة (٦ + ٦ =١٢ + ٤ =١٦) سنة، يريد أن يعيش حياة كريمة بعد التخرج، كم مدتها؟ أربعين أو خمسين أو ستين سنة، ثم يموت.
فالذي يأمن الله هنا يخوِّفه الله هناك، والذي يخاف الله هنا يؤمِّنه الله هناك، وكلما كان العبد أكثر إيماناً وإخلاصاً وتقوى كلما كان أكثر أمناً يوم القيامة، فأهل التوحيد هم أحسن طبقة، الذين ما خلطوا إيمانهم بشرك، يقول الله عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] الذين آمنوا ولم يلبسوا، أي: ولم يخلطوا، أو لم يغلِّفوا إيمانهم بشيء من الظلم؛ وهذه الآية عندما نزلت قال الصحابة: (يا رسول الله! وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: الظلم: الشرك، أما سمعتم قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:١٣]) فالشرك ظلم، فالذي يلبس إيمانه بشرك هذا ليس بمؤمن، يخرج من التوحيد؛ لكن إذا وحَّد ولم يلبس إيمانه بشيء من الشرك فـ: {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].
هذا أول حال من أحوال يوم القيامة، وهو: الأمن.
والأمن مطلب رئيس من مطالب البشر حتى يستريحوا، فلو أعطيت جميع لذائذ الدنيا وأنت خائف فإنك لا تريدها، أليس كذلك؟! لا تريد حياة إلا وفيها أمن، إذا طرق الباب عليك طارق، وعرفت أنه يريد منك سرقة أو قتلاً أو تخويفاً، أو شيئاً وأنت تأكل أو تشرب أو تنام، فإن النوم يذهب منك، والأكل لن تهنأ به، والعافية لم تعد تأتيك، وتبقى في قلق، لماذا؟ من الخوف! فهذا الخوف ينزعه الله منك يوم القيامة وتُبْعَث آمناً: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠].
أتريد أن تأتي آمناً يوم القيامة؟ خَفْ مِن الله في هذه الدنيا، في حالتين: عند ورود أمره عليك.
وعند ورود نهيه عليك.
إذا ورد عليك أمر الله فخَف من الله، ونفِّذ أمره، وإذا ورد نهيه عليك فخف من الله عزَّ وجلَّ وانْتَهِ عما نهاك، فإذا عملت هذين الأمرين فأنت خائف من الله، أما إذا تركت الأوامر، ووقعت في النواهي، وادعيت أنك تخاف الله فهذا خوف الكذابين، ولا ينفعك، فالذي يخاف من الشيء يبتعد عنه، والذي يخاف من المعاصي يرفضها، والذي يخاف من العذاب لا يسير في طريقه، وكذلك المؤمن الذي يريد أن يأتي آمناً يوم القيامة لا يقع في شيء مما يخوفه الله عزَّ وجلَّ به يوم القيامة.