- ثانياً: ألا يكون مع هذا الألم والصبر شكوى لغير الله، وهذا معنى الصبر الجميل، يقول يعقوب عليه السلام عندما أخبروه أن ولده ليس موجوداً وقد أكله الذئب:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[يوسف:١٨] قيل: الصبر الجميل: هو الذي لا شكوى فيه ولا جزع، لا يجزع من قضاء الله، ولا يشكو إلى أحدٍ غير الله تبارك وتعالى، والذي يشكو الناس أو يشكو الله إلى الناس، هذا لم يعرف الله عز وجل، يقول:
وإذا عرتك مصيبة فاصبر لها صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
أي: تشكو الرحيم تبارك وتعالى إلى الذي لا يرحم، لا تشكو إلى أحد وإنما اشك إلى الله، ولهذا كان يقول:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:٨٦] تشكو بثك وحزنك وما تجده من لوعةٍ في قلبك إلى الله عز وجل، ولا تشك إلى أحد غيره، فإنك إن شكوت إلى الناس فالناس لا ينفكون عن رجلين: رجلٌ يحبك، ورجلٌ يبغضك، فإن شكوت إلى الذي يحبك آلمته؛ لأنه يعاني معك، وإن شكوت إلى الذي يبغضك سررته وفرح، ولو هز رأسه لك، وقال: أنا آسف والله المستعان.
ولكن في السر يقول: يستحق، لماذا؟ لأنه يكرهك ويتمنى أي شيء يقع عليك، فلا تشتك إلى أحد، ولا تُحزن الذي يحبك، أليس الذي يحبك تحب ألا يحزن؟ إذاً لا تحزنه بشكواك إليه، ثم ماذا تتصور أن يعمل من أجلك هذا الذي شكوت إليه؟ شكوت إليه المرض فهل عنده عافية؟! شكوت إليه الفقر هل عنده أموال يعطيك؟! شكوت الهم هل عنده فرج؟! ليس عنده شيء، إنما تشكو إلى من؟ إلى الله الذي لا إله إلا هو.
كان الواحد من السلف إذا أتاه شخص وهو مريض وفي أشد المرض يقول له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله.
قال له: من ماذا تشتكي؟ قال: أشتكي من ذنوبي -لا يشتكي من ربه بل يشتكي من ذنبه- لأنه يعرف أن المرض لم يأته إلا بذنب.
قال: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة ربي.
قال: هل جاءك الطبيب أو نأتي به؟ قال: قد جاءني.
قال: وماذا قال لك؟ قال: يقول: أنا الفعال لما أريد.
هذه حياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فأنت حاول باستمرار ألا تشكو إلا إلى الله، فإن شكواك إلى الله عبودية، وشكوى ربك إلى الناس والعياذ بالله عدم معرفة بالله، وبجلاله عز وجل.