يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب -اقرءوه فهو عظيم جداً- يقول: كنا إذا ضاقت بنا الدنيا وسبلها، ونحن طلقاء قمنا بزيارة الشيخ أحمد بن عبد السلام بن تيمية الحراني (شيخ الإسلام) وهو مسجون في سجن القلعة في دمشق، يقول: فوالله ما هو إلا أن نراه حتى يسرى ما بنا من هموم، وهو المسجون، لكنه مع الله، تجد المتروكين تأتي لهم الهموم، والذي مع الله وهو مسجون يعيش في آفاق واسعة من الراحة والأمن.
يقول: فإذا سلمنا عليه قال لنا: المسجون من سجن عن خالقه، والمأسور من أسره هواه وشيطانه، ويقول: ما يصنع بي أعدائي، ماذا يصنعون بي؟ أغلى ما عندهم هي أقصى أمنية عندي، يقول: إن سجني خلوة بربي، وإن ترحيلي وتسفيري سياحة في أرض ربي، وإن قتلي شهادة للقاء ربي, ويقول: ماذا يفعلون بي؟ هل عندهم أعظم من هذا، إما أن يكون سجناً، أو ترحيلاً، أو قتلاً، وكلها أمنيات للمؤمنين.
ويقول أحد السلف: مساكين أهل هذه الدنيا، جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بعبادة الله.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
ما هي جنة الدنيا؟ التلذذ بالعبادة، وطاعة الله.
هذه -يا إخوان- لا تباع في الصيدليات ولا (السوبر ماركت) ولا يأخذها أهل العضلات والريالات، لا يأخذها إلا أهل الإيمان، في بقالات الإيمان ومستشفيات القلوب في المساجد، ومن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد هذه البضاعة ادخل وراجع العلماء واجلس عند أقدامهم، واقرأ كلام الله واقرأ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وداوم على المراجعة في المستشفيات، وامض في الطريق وسوف تجد طعم الإيمان.
له طعم ولذة ليست في الدنيا.
لذة الإيمان بالله والحب لله وفي الله لا توجد في ملذات الدنيا كلها، الحياة بغيره عذاب وجحيم، الذي لم يجرب فليجرب، التجربة كما يقولون: أكبر برهان، لو أنكم لا تعرفون التفاح، وجعلت أصف لكم التفاحة بكل أسلوب بياني فإنكم لا تفهمونها، لكن لو قطعتها وأعطيت كل واحد قطعة، وقلت: ذق طعمها، فإنه يعرف طعم التفاح بدون إجابات أو بيانات، وكذلك نقول للشباب: ذوقوا طعم الإيمان، سيروا في طريق الإيمان، تذوقوا طعم الحياة، طعم الحياة ليس في الأغاني، ولا النظر المحرم، ولا اللعب، ولا الزنا، ولا الغناء، ولا الربا، ولا الخمور، ولكن طعم ولذة الحياة في الإيمان بالله والعمل الصالح، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}[مريم:٩٦].