هذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ}[البقرة:١٨٣] ومعنى كتب: فرض وأوجب عليكم {الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:١٨٣] * {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:١٨٤] وهذه الفريضة قد فرضها الله عز وجل على سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه الأمة؛ لأن الله يقول:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}[المائدة:٤٨] ولكن المدة تختلف عن مدتنا، فكان من ضمن صومهم الكلام، يمسكون عن الطعام والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه، ولهذا قالت مريم لما قابلها قومها:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً}[مريم:٢٦] * {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً}[مريم:٢٧] * {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً}[مريم:٢٨] فما تكلمت بل أشارت؛ لأنها لو تكلمت لأفطرت ونقضت صومها:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً}[مريم:٢٩] * {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً}[مريم:٣٠] * {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}[مريم:٣١] فالصوم فريضة عظيمة.