للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف السعادة]

ما هي السعادة؟ السعادة في تعريفها عند العلماء هي: الشعور بالأمن والراحة والطمأنينة في هذه الحياة التي هي مشاهدة، وأيضاً في المستقبل الذي هو محجوب عن الإنسان، هنا مربط الفرس, فإن الذي ليس عنده عن الآخرة علم، ولا عمل لها، وهو يعلم أنه سائر إليها لا يشعر بسعادة, لماذا؟ لأنه على يقين من الموت, ولا يوجد أحد في الدنيا يقول: لا أريد أن أموت, بل تموت رغماً عنك, والرحلات ماشية الآن, وكل يوم تسمعون عن موت أناس، فما بعد الموت؟ الآخرة, وما بعد الآخرة؟ وهنا المشكلة, فالذين يقولون: لا يوجد شيء، نقول لهم: من قال لكم: إنه لا يوجد شيء؟ من الذي مات وذهب إلى الآخرة واكتشف أنه لا يوجد شيء ورجع ليقول لنا: لا يوجد شيء هل أحد فعل ذلك؟ لا.

نحن عندنا يقين حينما نقول: يوجد شيء بعد الموت؛ لأن الله أرسل رسولاً وأنزل عليه كتاباً، وضمَّن هذا الكتاب أخبار الآخرة, وضمَّن هذا الكتاب أيضاً إعجازاً ليدل على أنه من عند الله, ولا يمكن أن يكون من عند بشر, فأنت عندما تقرأ القرآن وتلمسه وتحس به وتستشعره تعرف أنه من عند الله, فالله تعالى يقول فيه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:٥١] أي: كفى بالقرآن معجزة, ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: (ما من نبي قبلي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر, وإني أوتيت أكثرهم -أي: القرآن- وإني أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) وقد تحققت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فهاهو دينه باق على وجه البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- كذاباً لما بقي دينه, فكم من أناس ادعوا النبوة وكان لديهم من الإمكانات ما يؤهلهم بأن يقودوا أممهم في الباطل الذي انتحلوه, لكن هل بقيت دعواتهم؟ فقد ادعى النبوة شخص اسمه مسيلمة! من يعرف أباه أو جده؟ أبوه الكذاب، اسمه: مسيلمة الكذاب , ادعى النبوة وكان عنده رجال وجيش ومقاتلون أشداء أشاوس، لكن لا يوجد الآن على وجه الأرض خبر على أن مسيلمة رسول الله، حتى أولاده من صلبه لو سلسلنا ذريته ووجدنا من ذريته شخصاً لقلنا له: أنت فلان بن فلان بن فلان بن مسيلمة الكذاب.

وطليحة بن خويلد الأسدي ادعى النبوة أيضاً، وهو من طي من بلد حائل , ولكنه أسلم بعد ذلك -سبقت له من الله الحسنى وأسلم- قام وادعى النبوة وقاتل الصحابة في حروب الردة وقتل اثنين من الصحابة: قتل زيد بن أرقم وعكاشة بن محصن رضي الله عنهم وأرضاهم, ومع هذا أسلم ورجع وقاتل في معارك إسلامية عظيمة واستشهد.

والأسود العنسي أيضاً ادعى النبوة في اليمن , وسجاح بنت الحارث ادعت النبوة حتى النسوة ادعين النبوة! ولكن هل بقيت دعواتهم؟ لا.

لماذا؟ لأنها باطلة, لماذا بقيت دعوة الإسلام ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم؟ كم على وجه الأرض اليوم ممن يشهد أن محمداً رسول الله؟ أكثر من ألف مليون مسلم يشهدون وتكفينا الشهادة, صحيح أن الأمة الإسلامية الآن ضعيفة ومقهورة وغير رائدة ولا قائدة، لكنها لا تضيع عقيدتها, ولهذا تجد حتى أضعف الناس إيماناً إذا سمع أن هناك أي تعرض أو إساءة لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم يثور ويغضب ولا يمكن أن يرضى, ويقول: كيف يهان الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهذا دليل على أنه رسول الله.

ضمَّن الله هذا الكتاب الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم الخبر عن الآخرة, وعمل الناس للأعمال التي تنفع بعد الموت, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ما الذي ينفع بعد الموت؟ العمل الصالح, وأما المال فلا ينفع بعد الموت إلا من كان مؤمناً؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:٣٧].

فالسعادة في تعريفها: شعور داخلي بالأمن والطمأنينة والراحة والسكينة في الحياة الدنيا وما بعد الموت، فالمال يوفر لك الراحة والسعادة في الدنيا فقط, والزوجة والأولاد والمنصب والمكانة الاجتماعية كلها توفر لك الراحة لكن في الدنيا فقط, وفي الآخرة لا توفر لك السعادة فيبقى القلق, والإمكانات المادية توفر الراحة للكائن الجسدي فقط, ويبقى الكائن الروحي هنا في قلق, وحيرة, واضطراب إلى أن يجد الغذاء الذي من أجله وجد، والذي في عالمه وجد، وهو غذاء الروح؛ أي: إذا وجد الإيمان وجدت السعادة هذه هي السعادة وتعريفها.