[صراط الله واحد، وسبل الشيطان متعددة]
يقول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:١٥٣] فالصراط واحد، والسبل المؤدية إلى النار كثيرة، أما الطريق المؤدي إلى الجنة واحد، ولكنه طريق متعدد المسارات، والناس يتسابقون فيه من كل مسار، والنهاية الجنة.
أما طريق النار فهي سبل ملتوية، وطرق متعددة على رأس كل منها شيطان، يزين للناس ويضلهم ويمنيهم، ويعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
وأنت أيها المسلم في هذه الحياة تقف الآن على مفترق طرق: طريق الجنة وطريق النار، طريق الجنة قد نصبت لك أعلامه، ولاحت لك علاماته، وعليه لوحات إرشادية، بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللوحات الإرشادية التي على طريق الإسلام والجنة لوحات عظيمة، مكتوب فيها: الطريق فيه شيء من الصعوبة؛ أشواك، وحجارة، ومطبات وغيرها، ولكن نهاية هذا الطريق جنة عرضها السماوات والأرض، فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فيها السرور والحبور، فيها القصور والحور، فيها أنهار اللبن والخمر والعسل وماء غير آسن: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] هذه طريق الجنة، وفي الطريق نوع من المعاناة؛ لأنها حفت بالمكاره: بالجهاد بالصلاة بالصيام بالزكاة بالحج بغض البصر بحفظ الفرج بصون السمع بحفظ اللسان بترك الحرام بفعل الطاعات.
لكن المؤمن إذا سار على هذا الطريق فإنه مأمور بالجدية، وبالمثابرة وبالتقوى، بحيث لا يضع يده ولا قدمه إلا في الطريق الصحيح، وهذا معنى التقوى: أن يشمر ويتقي الله.
ليل نهارٍ، وشهراً وسنة، وسنة بعد سنة، حتى يقف عند جدار الموت، ويقال له: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٠ - ٧٢] ماذا تظن الجنة؟ حوش بقر! تريد اثنين وسبعين حورية، وملكاً ينفذه بصرك مسيرة مائة عام، وأن تنظر ببصرك إلى وجه الرحمن، وتسمع بأذنك خطابه، ويكون لك في الجنة قصور من ذهب ومن در مجوف، ومن تحت قصورك أنهار تجري تريد كل ذلك بالمعاصي والذنوب، وبالأماني والكذب، لا والله.
يقول ابن القيم رحمه الله:
والله لو أن القلوب سليمة لتقطعت ألماً من الحرمان
لكنها سكرى بحب حياتهاالد نيا وسوف تفيق بعد زمان
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان
ما كان عنها قط من متخلف وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي ترنو إلى رب العلا في طاعة الرحمن
هذه امتحانات! وكلما كانت الرتبة أكثر كان الامتحان أصعب، أليس كذلك؟! الآن امتحانات الثانوية هل هي مثل امتحانات أول ابتدائي؟! وامتحانات الابتدائية هل هي مثل امتحانات الجامعة؟! كلما كانت العطية والغنيمة أكبر، كانت الأسئلة أكثر، لماذا؟ حتى لا يصل إلى هذا المكان إلا الأهل والكفء، أما لو أنها لمن جاء فكل واحد يريدها، لكن لا بد من الامتحان، ولا بد من الاختبار: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:٧] هذا الطريق الأول، طريق الجنة وفي هذا الطريق مع الصعوبة والمعاناة أربعة أعداء متربصون بهذا الإنسان:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي